حيّان سرور
بداية الانتفاضات الشعبية في سوريا، شكّل دروز سوريا سؤالاً طُرح بقوة على كلا طرفي الصراع في البلاد، السلطة والمعارضة، وكان دافع السؤال هو خيار “النأي بالنفس” الذي اتخذه الدروز الذين يشكلون ما نسبته 3% من مجمل سكان البلاد.
فقد اشتغلت القيادات الدينية والأهلية للطائفة الدرزية على امتناع شبابها من الالتحاق بالخدمة العسكرية بما يشبه العصيان المدني، وبذات الوقت فتحوا بيوتهم للهاربين من الحرب خصوصًا الهاربين من محافظة درعا المجاورة لمحافظة السويداء، وهذا الخيار، بقدر ما أغضب النظام الحاكم، حال دون منحه الذريعة لقصف مناطقهم وتدمير قراهم ومدنهم، وهو أمر لن يتساهل معه نظام سياسي اشتغل على قاعدة “إما معي وإما عدوي”، ما جعله يلجأ إلى تكتيكات أخرى كان قد اتبعها مع معظم “الأقليات” في سوريا، وكانت بدايات لعبة النظام هذه قد مورست في قرية درزية من قرى محافظ ادلب السورية، المجاورة لمددينة حلب، وهي قرية “قلب لوزة” التي لايتجاوز عدد سكانها الفي نسمة، وهي أقلية درزية في فضاء سني واسع، وكان ذلك عبر استخدام “جبهة االنصرة” وبالتنسيق مع النظام بشن حملة عسكرية على هذه القرية الوادعة لترتكب مجزرة راح ضحاياها 20 مدنيًا، ومن ثم تم تهجير القرية التي التحقت بمركز الطائفة الام في محافظة السويداء.
هذا الحادث أدى إلى تشابك الأمور، من جهة انتهاز النظام السوري له من أجل اللعب على وتر الطائفية والترهيب من الإسلاميين، ومن جهة ثانية كان ارتفاع أصوات درزية في كل من سوريا ولبنان وكذلك من دروز إسرائيل للمناداة بتسليح أبناء الطائفة حيث كانوا.
لقد استغل النظام السوري ما حصل في إدلب لتوتير الأجواء في السويداء وتوريط الدروز وإدخالهم في مواجهة مع الطائفة السنيّة، ردًّا على الانهيارات المتتالية التي يصاب بها، واستخدم النظام الدروز في المنطقة كجزء من دعاية وضعها ، وهي ما تسمى بتحالف الأقليات ضد الأغلبية السنّية.
بالتوازي، اشتغل النظام بالتنسيق مع تنظيم “داعش” وكان للتنظيم قوات متواجدة في الشرق الشمالي من محافظة السويداء امتدادًا للصحراء العراقية، وكمعاقبة للأهالي بسبب امتناعهم عن الخدمة العسكرية، فوجئ السكان بحملة واسعة هاجمت فيها قوات “داعش” مجموعة من قرى ريف السويداء بلغت ضحاياها العشرات من المدنيين، وسط صمت قوات النظام التي وقفت تتفرج على المجزرة، لتطلق مستشارة الرئاسة لونا الشبل (وهي من أصول درزية) تصريحات تقول فيها أن مصير الدروز سيكون كما مصير الأزيديين في العراق، وتؤنب أبناء طائفتها على امتناعهم عن الخدمة العسكرية.
وبعدها، استدعيت بعثة من جبل الدروز في محافظة السويداء للقصر الرئاسي في دمشق، قابلتهم مستشارة الرئيس الأسد المقربة لونا شبل، وقالت لهم بكل بساطة إن “عليكم أن تقاتلوا وأرجلكم فوق رأسكم”, وكانت تقارير قد أشارت إلى أن دروز سوريا ربما يضطرون للخروج عن حيادهم تجاه الصراع الدائر الآن بعد أن امتد القتال إلى محافظة السويداء واقتراب من مناطقهم.
في هذه المرحلة، شكّل الدروز قوات عسكرية خاصة بهم تحت تسمية “مشايخ الكرامة”، قادها رجل دين شاب ذو جاذبية عالية يدعى “وحيد البلعوس” طرح حياد الدروز عن الصراع الدائر في سوريا مكتفيًا بالقول أن قواته ستحمي الدروز فيما لو تعرضوا لأي من الحملات العسكرية، مادفع سلطات النظام وعبر استخباراته باغتيال الشيخ البلعوس من خلال عبوة ناسفة استهدفت سيارة كان يقلها الشيخ الدرزي، ما أدى إلى وفاته وشقيقه، وقد بلغ عدد ضحايا الانفجار 20 قتيلاً وأتى هذا الانفجار بعد أن صعّد الشيخ البلعوس من تصريحاته ضد نظام الأسد الذي اتهمه بالعمالة لإيران.
بعد مقتل الشيخ البلعوس، أطلقت اجهزة الاستخبارات اليد الإيرانية في المحافظة، وعبر قيادات من الحرس الثوري الإيراني تشكلت ميليشيات مختلفة وبمسميات مختلفة أبرزها تنظيم يتزعمه شاب يدعى راجي فلحوط، وهو قاتل محترف، دموي، لايقيم السكان له ولا لعائلته وزنًا ولكنهم يخشون دمويته ويدركون أنه ليس سوى فصيل من فصائل الحرس الثوري الإيراني، وقد تعزز هذا الاعتقاد من خلال الاموال الطائلة التي حصل عليها تنظيمه بالإضافة لإطلاق يده في الترويج للمخدرات وصناعة الكبتاغون وقد أخذت طريقها الى الأردن عبر القرى الدرزية الحدودية، فباتت له اليد الطولى في التحكم بالسكان، ومن ثم بشن عمليات واسعة قام بها باختطاف مدنيين ومن ثم الحصول على فدية كمصدر تمويل اضافي لقواته، وكل ذلك بصمت معلن من النظام وترحيب ضمني بما يفعل، الأمر الذي دفع السكان للمزيد من التسلح ومن ثم مهاجمة قواته نهاية الشهر الجاري (28/ 7/ 2022) والسيطرة على مقراته بعد فراره إلى مكان مجهول يعتقد السكان أنه بحوزة الأمن العسكري التابع للنظام وبحمايته.
المرجعيات الدينية الدرزية، أبدت خلال السنوات الفائتة، أي بدءًا من انطلاقة الحرب السورية مواقف رخوة بحيث جعلها تبدي مرونة واسعة تجاه ممارسات النظام في المحافظة وصولاً الى التواطؤ مع النظام في لحظات مفصلية، غير أن انعطافة كبيرة وقعت على هذه المرجعات ما بعد 27/ 7/ 2022 حيث أعلن شيخ عقل الطائفة الدرزية أحمد الهجري النفير العام، مايعني مواجهة مباشرة مع قوات النظام، هذا الإعلان يأتي مصحوبًا بمخاوف كبيرة يعيشها السكان وعلى رأس هذه المخاوف إطلاق النظام لقوات “داعش” المتواجدة معسكراتها شرقي محافظة السويداء، للانقضاض على السكان، والكل يدرك حقيقة تنسيق النظام مع قوات “داعش” وهو ماكشفت عنه وثائق عديدة، كما الأحداث السابقة التي وقعت عام 2015 حيث قام التنظيم بارتكاب مجزرة دامية بحق مجموعة من القرى الواقعة على أطراف المحافظة، وإذا ماحدث ذلك فلابد أن يجد النظام ضالته في العودة الى لغة “حماية الأقليات”، وهي حماية يدرك السكان مدى كذبها، ماجعل حركة التسلح تتسع بين أبناء المحافظة المفقرة، وسط دعم معنوي وسياسي من قيادات درزية في لبنان وعلى رأسها وليد جنبلاط، فيما تتحالف قوى درزية لبنانية أخرى مع النظام كما حال طلال أرسلان وئام وهاب.
المعلومات الراهنة تفيد بأن تنسيقًا واسعًا تقوم به شخصيات درزية من مرجعيات مذهبية وثقافية وعسكرية مع الجارة درعا التي تمثل سهل حوران فيما يمثل الدروز المنطقة الجبلية المرتفعة، وهذا أمر يقلق النظام دون أدنى شك، بعد أن اشتغل على زرع الفتنة مابين السهل والجبل وبرعاية إيرانية من قبل “الحرس الثوري” المتواجد في كلا المنطقتين، وفي حال اتخذ هذا التنسيق مداه المتوقع، فلابد ويؤدي إلى عزل النظام عن منطقة الجنوب باكملها، خصوصًا وأن دروز الجولان سيكونون متضامنين مع أقاربهم في محافظة السويداء، مايطرح احتمالات واسعة من بينها الانفصال الموضوعي عن العاصمة، الذي قد تعقبه مشاريع من بينها مشروع تقسيم سوريا، وهو المشروع الذي لايلاقي ترحابًا من المواطنين غير أنه قد يتحوّل إلى أمر واقع تفرضه ممارسات النظام الدموية التي قد تتسع لتدمير محافظة السويداء أسوة بالمناطق السورية الأخرى التي تم تدميرها خلال العشرية الدموية الفائتة التي استخدم فيها النظام كل أشكال الإبادة وصولاً لاستخدام السلاح الكيماوي دون أن يتردد، وهو يستند إلى دعم إيراني غير مشروط، وقد يكون الظرف الحالي، وانشغال القوات الروسية التي تلعب دورًا في كلا المحافظتين، قد يكون انشغالها بالحرب الروسية ـ الأوكرانية ، فرصة لإطلاق يد “الحرس الثوري” في هذا الجنوب، وهي قوات تتبع استراتيجيا الأرض المحروقة، وتشغل في تواجدها مناطق واسعة من الجنوب السوري المحاذية لمناطق الجولان.
السكان اليوم، يعيشون تحت وطأة القلق على المصير، غير أن خياراتهم قد حسمت، أما عنوان هذه الخيارات:
ـ لن نكون في حلف الأقليات اذعانًا لاستراتيجيات النظام.
هذا مانقل عن مرجعيات دينية وشبابية، باتت الغلبة لها ما بين دروز سوريا، وما تبقى هو :
انتظار القادم من الأيام.