مرصد مينا
ربما تكون البشرية بانتظار ليلة ما بعد غد، فساكن البيت الأبيض الجديد لابد سيحدد ما سيكون عليه نوع سكناهم، تحت بيوت مدمّرة أم في حقول القصب أم سيتاح لهم فنجان قهوة هادئ على شرفة هادئة.. ساعات، والمرجّح أن يكون البيت الأبيض لـ “رونالد ترامب الثاني”. ومعه:
ـ ما حال الشرق الأوسط إن صحّت الفرضية؟
لن نفترض أن سياسات ترامب، في حال فوزه في الانتخابات، سوف تكون تكراراً لنفس سياساته في فترة رئاسته السابقة (2017-2021)؛ فلا الولايات المتحدة اليوم هي نفسها التي تولى ترامب رئاستها منذ سبع سنوات، ولا الشرق الأوسط اليوم هو ما كان عليه من قبل. كما أن الشخص نفسه ليس هو بالضرورة نفس الشخص، وربما تكون أفكاره قد تطورت وتغيرت.
غير أن الثابت أن نظرة ترامب للعالم تتسم بسمتين رئيسيتين؛ هما:
تبني ترامب نهج “الواقعية الهجومية” في العلاقات الدولية، والتي تَعتبر أن هدف أية دولة هو تعظيم عناصر قوتها الشاملة بمختلف عناصرها المادية وغير المادية، وأن جوهر العلاقات بين الدول هو التنافس والصراع.
أما السمة الثانية عنده فهي أن إدارة الدولة عنده مشابهة لإدارة الشركة، يكون شاغلها اعتبارات “المكسب والخسارة” وهدفها زيادة الأرباح.
وحين يأتي الكلام عن الشرق الأوسط فسوف يكون عليه إذا فاز في الانتخابات المقبلة، التعامل مع القضية المشتعلة في المنطقة؛ وهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتي بدأت من عملية “طوفان الأقصى” وحرب الجنوب اللبناني.
ترامب كما نعرفه لابد وأنه حليف قوي لإسرائيل وله علاقة متميزة مع رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو. وفي فترة رئاسته السابقة، قرر ترامب في ديسمبر 2017 نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس، واعترفت إدارته في مارس 2019 بمرتفعات الجولان المُحتلة “كجزء من إسرائيل”، ولم تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المُحتلة مُخالفة للقانون الدولي، وذلك بما يتناقض مع الموقف الأمريكي التقليدي وقرارات الشرعية الدولية.
تلك ثوابت لن تتغير، وسيضاف اليها أن ترامب لم يعترف أبداً بالحقوق القومية والسياسية للشعب الفلسطيني، واعتقد أن حل المشكلة الفلسطينية يكون من خلال “السلام الاقتصادي”، وتحسين الأحوال المعيشية للفلسطينيين، فيما سُمى حينها بـ”صفقة القرن” والتي أعلن عنها في يناير 2020، تحت اسم “سلام نحو الازدهار”، وكان أقصى ما يمكن للفلسطينيين الحصول عليه في هذه الخطة هو “حكم ذاتي للسكان” في بعض مناطق الضفة وقطاع غزة.
ومن التصريحات المهمة التي عبّرت عن موقف ترامب، استخدامه لتعبير “فلسطيني” كتهمة أو نقيصة. ففي المناظرة التي جرت مع بايدن يوم 27 يونيو الماضي، أكد ترامب أنه على بايدن ترك الإسرائيليين حتى “ينهون المهمة”، واتهمه أنه يتصرف “كفلسطيني”، قائلاً: “لقد أصبح مثل فلسطيني، لكنهم لا يحبونه لأنه فلسطيني سيئ جداً. إنه فلسطيني ضعيف”.
وفي اليوم التالي، كرر ترامب هذا الوصف، في إشارته إلى رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، ووصفه بأنه أصبح “فلسطيني” أيضاً، والمفارقة هنا أن شومر يهودي الديانة.
سيكون الملف الأهم بالنسبة لترامب هو ملف إيران، فما المتوقع؟
لم تكن هناك تصريحات عديدة بشأن العلاقة مع إيران خلال حملة الانتخابات الرئاسية لترامب. وتعقيباً على مشاركة الولايات المتحدة في تدمير الطائرات المُسيّرة الإيرانية وهي في طريقها إلى إسرائيل في فجر يوم 14 إبريل الماضي، قال ترامب: “لم أكن لأسمح بحدوث هذا أبداً لو كنت رئيساً”؛ وذلك إشارة إلى أن ضعف إدارة بايدن هو الذي شجع إيران على اتخاذ مثل هذا القرار.
المتوقع في حال فوزه أنه سوف يواجه موقفاً مختلفاً عما تعامل معه في فترة رئاسته السابقة. فمن قبل كان الهدفان الرئيسيان له هما: منع إيران من الوصول إلى درجة تخصيب اليورانيوم التي تُمكِنها من إنتاج سلاح نووي، ووقف مشروع إنتاج الصواريخ البالستية. ويبدو أن كلا الهدفين قد تجاوزه الزمن. أما هدف وقف تدخلات إيران في شؤون الدول العربية، فربما أصبح غير ذي معنى بعد تحسن العلاقات بين الطرفين.
ومن الأرجح، أن تزداد حالة التوتر بين واشنطن وطهران، وأن يقوم ترامب بتغليظ العقوبات المفروضة علي إيران، بحجة دعمها للتنظيمات المناهضة لإسرائيل، وأيضاً لسبب آخر وهو تزويدها روسيا بالطائرات المُسيّرة في الحرب على أوكرانيا. وربما يمارس ترامب ضغوطاً على دول عربية لمنع تطوير علاقاتها مع طهران.
ومن الأرجح أيضاً، أن يحتل العراق أهمية خاصة في هذا الشأن، بحكم علاقته مع إيران ودور بعض الفصائل العراقية المُسلحة ضد إسرائيل.
وأخيراً يدرك ترامب أن الولايات المتحدة لم تعد الفاعل الوحيد في الشرق الأوسط، وأن الصين وروسيا نجحتا في بناء وتطوير علاقات وثيقة مع عديد من الدول الصديقة والحليفة لواشنطن، وأن بكين أصبحت الشريك التجاري الأول لكثير من دول المنطقة.
وقد يقوم ترامب بالضغط على الدول العربية لإبعادها عن الصين وروسيا، ولكن من الأرجح أن تبوء مثل هذه المحاولة بالفشل؛ وذلك لإدراك الدول العربية التحولات الحادثة في النظام الدولي، وأن وجود قطب واحد يسيطر على العالم لا يخدم مصالحها.
يتبقى ما يشبه النكتة، فلدونالد ترامب حفيدان، الحفيد الأول من صهره اليهودي “كوشنر”، والثاني ابن صهره اللبناني “مسعد بولس”..
هل يوازن الاحفاد موقف الرئيس من الصراع العربي الإسرائيلي؟
ـ لِمَ لا.