رامسفيلد” وقد أسقط “ضبع” بغداد، لحساب “ثعابين” طهران”.

مات “دونالد رامسفيلد” وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، وفي موت القادة وأصحاب حق رسم مصائر الشعوب، إحياء لذاكرة ما.. ذاكرة تخصهم وتخص الشعوب أيًضًا، ومن رامسفيلد كان الإحياء:

ـ غزو العراق وأكبر عملية عسكرية فاشلة في تاريخ الولايات المتحدة، من أجل البحث عن أسلحة دمار شامل لم تكن موجودة أصلا، إلى جانب استخدام التعذيب الواسع الذي شوّه سمعة الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت.

“معها  يتم تذكر القرارات السيئة التي اتخذها كوزير للدفاع فقط”، هذا ما قالته الغاردين، والصحيفة ليست ناطقة بلسان صدام حسين، وكان قد ارتكب من الحماقات والدماء ما فتح الطريق للغزو الأمريكي، بل هي الصحيفة الانكليزية، التي تعني ما تقوله،  فالوثائق التي ظهرت بعد الغزو، كشفت أن رامسفيلد كان واعيا بالثغرات في المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل التي زعم أن العراق يملكها، ولكنه قدّم المزاعم على أنها حقيقة مطلقة.  وقلل من أهمية التمرد الذي ظهر ضد الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة بعد سقوط صدام حسين، وصور انهيار النظام والأمن من خلال تعليقه المعروف: “الأمور تحدث” والذي ظل يلاحقه حتى نهاية حياته. وأدى تردده في قبول التحذيرات التي لم تتطابق مع رؤيته، إلى تنفير الجنرالات وقادة وضباط الجيش منه.

لم تكن جرائمه بحق العراقيين وحدهم، فقد طالت جرائمه القوات الأمريكية نفسها أقله عبر إصراره على أن الوضع آمن بالنسبة للقوات الأمريكية في العراق، باستخدام الجنود عربات “الهمفي” الخفيفة لمدة عام هناك، مما زاد عدد القتلى الأمريكيين بالقنابل البدائية.

الوثائق التي كشفت بعد الغزو  ظهرت، وأظهرت أن رامسفيلد كان واعيا بالثغرات في المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل التي زعم أن العراق يملكها.

من الوقائع أنه في عام 2006، اتخذت مجلة الجيش “آرمي تايمز” خطوة غير اعتيادية وطالبت باستقالة رامسفيلد. وفي افتتاحية بهذا الشأن قالت: “فقد رامسفيلد المصداقية مع القيادة بالزي العسكري والجنود والكونغرس والرأي العام الواسع”. وقالت: “فشلت استراتيجيته وتنازل عن قدرته على القيادة. ومع أن الفشل في العراق يقع على كاهل الوزير، إلا أن قواتنا هي التي ستتحمل اللوم”.

وعندما عين جورج دبليو بوش، رامسفيلد وزيرا للدفاع عام 2001، ظن الكثيرون أنه سيكون وزملاؤه من فترة جيرالد فورد مثل ديك تشيني، نائب بوش، سيلعبون دور الحكم المعدل لرئيس أيديولوجي قليل الخبرة.

وبعد هجمات أيلول/ سبتمبر، ظهر رامسفيلد ونائبه بول وولفويتز وتشيني كدعاة حرب متشددين، وآمنوا بأسوأ السيناريوهات، مثل علاقة صدام حسين مع القاعدة، وأنه يملك أسلحة بيولوجية ويقترب من تصنيع القنبلة النووية. وأصبح رامسفيلد معروفا بتأملاته الفلسفية بشأن التفريق بين “المعروف، المعروف اللامعروف واللامعروف غير المعروف” وما لم يقله هو أن كل المعلومات عن أسلحة الدمار الشامل التي زعم أن العراق كان يملكها تقع في الفئة الثالثة “اللامعروف غير المعروف”.

وفي أيلول/ سبتمبر، نشر مدير الاستخبارات في هيئة الأركان المشتركة تقريرا جاء فيه: “حاولنا تقدير اللامعروف، وقدرنا ما بين صفر إلى 75% في كل مراحل البرنامج”. وقال رامسفيلد في تعليق مرفق بالتقرير: “هذا كبير”، لكن التقدير لم يترك أي أثر حول مزاعمه التي آمن بها. وفي تشرين الثاني/ يناير 2003، قال إن صدام لديه “مخزون ضخم لم يعلن عنه من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية بما فيها غاز الأعصاب والسارين والخردل والجمرة الخبيثة والبكتيريا المسممة وربما الجدري”، مضيفا: “لديه برنامج لامتلاك وتطوير الأسلحة النووية”.

ونظرا لإحباطه من المجتمع الاستخباراتي الذي فشل في التوصل إلى نتيجة تؤكد قناعاته، بدأ بعملية استخباراتية عن العراق موازية للمخابرات الأمريكية، واعتمد فيها على المنفيين العراقيين مثل أحمد الجلبي. وهم نفس المنفيين العراقيين الذين أقنعوا رامسفيلد وتشيني وولفويتز بأن العراقيين سيرحبون بالأمريكيين كمحررين بعد سقوط صدام ووضع الأسس لبناء ديمقراطية عراقية.

وبنظرة للوراء، كان رامسفيلد متفائلا حول النزاع، ففي تشرين الثاني/ نوفمبر، قال إنه لا يعرف إن كانت الحرب ستستمر لخمسة أيام، خمسة أسابيع أو خمسة أشهر. مضيفا: “على أي حال لن تستمر أبعد من هذا”. وبنفس الثقة، بدأ رامسفيلد التورط الأمريكي بـ”أساليب التحقيق المعززة” والتي يعترف اليوم وبشكل واسع أنها كانت تحتوي على التعذيب.

ترك رامسفيلد ميراثا آخر لا يزال يثقل كاهل الولايات المتحدة منذ عقدين، وهو سجن غوانتنامو الذي قال إنه “أقل الأماكن سوءا” لاحتجاز المشتبه بهم بأعمال إرهابية.

وفي خربشة واضحة على واحدة من المذكرات التي قدمت إليه في 2002، تساءل عن سبب قصر الوقوف الإجباري للمعتقلين على أربع ساعات مع أنه يستطيع الوقوف على مكتبه ما بين 8-10 ساعات. وترك رامسفيلد ميراثا آخر لا يزال يثقل كاهل الولايات المتحدة منذ عقدين، وهو سجن غوانتنامو الذي قال إنه “أقل الأماكن سوءا” لاحتجاز المشتبه بهم بأعمال إرهابية ومن يقبض عليهم في ساحة المعركة بعيدا عن النظام القانوني الأمريكي.

وحاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إغلاق المعتقل الذي أصبح إحراجا للولايات المتحدة وعقبة أمام تحقيق العدالة لعائلات ضحايا 9/11. وكان استخدام التعذيب أثناء التحقيق كان سببا في التأثير على موثوقية الأدلة، مما أخّر عمليات محاكمة المتهمين الرئيسيين.

وفي مذكراته، قبل رامسفيلد على مضض أنه أصدر “تصريحات غير صحيحة” في تأكيداته عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق، ولكنه “فوجئ وشعر بالقلق” بالتعرف على مدى عمليات التحقيق الأمريكية. ووصف التعذيب في معتقل أبو غريب بأنها أظلم ساعة في مسيرة عمله بالبنتاغون. والمشكلة أن رامسفيلد قدّم هذه التجاوزات على أنها “خلل” في النظام وليس نتيجة لسياساته، ولكن التاريخ لن يغفر له أبدا.

كل ذلك في كفه، وفي الكفّة الأخرى، فقد كان الغزو الأمريكي للعراق يعني فيما يعنيه:

ـ إسقاط صدام حسين “الضبع”، لحساس الملالي الايرانيين “الثعابين”.

Exit mobile version