رحيل خامنئي.. الإيرانيون بالانتظار

مع الوثبة التي حققتها الحركات النسائية الإيرانية عقب مقتل  الفتاة مهسا أميني تحت التعذيب بدت حقيقة الرفض التي يواجهها ” الولي الفقيه” كصيغة للحكم وقد جمع بيديه سلطات السلطان مع سلطات الله،  ولابد أن تنتقل هذه الوثبة إلى التيارات الدينية الإيرانية داخل شيعة إيران أولاً، وجذورها ممتدة إلى ماقبل الخمينية، ومعها كذلك، فتاريخ التيارات الدينية والسياسية في إيران، يحفل بوجود أفكار أخرى ومغايرة، ما تزال تحتفظ بحقها في التعبير عن تأويلاتها في الدين والسياسة، خاصة، فيما يتصل بالحالة الشيعية، وواقعها الاجتماعي، لكنّها همّشت، بفعل السطوة التي حققها الخميني بعد ثورته، ونبذه لتلك المرجعيات، وتعسفه ضدها، حيث كانت تختلف في رؤيتها وأهدافها مع نظرية ولاية الفقيه.

الوثبة الثانية والمرجحة ستأتي عقب موت علي خامنئي، وثمة مايشير إلى اقتراب موته بعد انهيار حالته الصحية، فمن بين التيارات التي تتخذ موقفاً ضدّ ولاية الفقيه: التيار الإخباري فوالشيرازي والإنتظاري؛ لكنّ سياسة الدولة قامت باضطهاد شيوخهم وأئمتهم، في فترة ما بعد الثورة، لحجب أي صوت من تلك المراجع الفقهية، ينافس أطروحات الخمينية أو يعارضها، فقد قام الخميني بالتخلص من نفوذ تلك المرجعيات الدينية، مثل الإمام شريعتمداري، الذي عارض نظرية ولاية الفقيه بقراءتها الخمينية، وطالب بعودة الدولة الدستورية البرلمانية، والأخيرة كانت ترى في وجود ولاية الفقهاء أمراً شرفياً، وتنحصر مهمتها في الإشراف على القوانيين، بدون التغول في السلطة، والتماهي فيها.

في خضم الصراع والجدل المحتدم بين الإمام شريعتمداري والخميني فيما سبق حول مضمون الحكم في إيران، والمرجعية التي ينهل منها الأخير سلطته، بعد أن دمج بين ثنائية “الفقيه والسلطان”؛ فقد صرح شريعتمداري يومها بأنّ: “حكومة الشعب هي السلطة التي يقر بها الإسلام، والديكتاتورية تعيد البلاد إلى عهد النظام الطاغوتي السابق، وأنّ ولاية الفقيه تسلب الناس صلاحياتهم واختياراتهم، كما تناقض كل الأصول التي تعطي الناس حقّ الانتخاب، لذلك، لا بدّ من إصلاحه ورفع هذا الإشكال”.

جرى اعتقال الإمام شريعتمداري، عام 1982، بتهمة تدبير انقلاب على الثورة، ووضع تحت الإقامة الجبرية، حتى مات بعدها بـ 6 أعوام، إثر مرض ألمّ به، ودُفن ليلاً، في ظروف صعبة، حيث مُنع كلّ تلامذته من حضور جنازته، حسبما ذكر رضا الصدري في كتابه “في سجن ولاية الفقيه”.

تمكّن الخميني من مأسسة الساحة الفقهية الحوزوية، وتأميم الصراع داخلها، عبر عمليات الإقصاء والضغط المتواصلين، لكلّ المعارضين والمخالفين له، حتى تلاشت الأسماء المهمة والمؤثرة، في المجالات الدينية والعلمية والفلسفية، حديثاً وقديماً، مثل عبدالكريم سروش، وأصبحت الحوزة مجرد صوت رسمي مؤيد للنظام.

المؤسسة الخمينية حكمت بالحديد والنار، والإيرانيون ينتظرون اليوم إحداث شرخ في هذه المؤسسة، وسيحدث هذا الشرخ مع رحيل علي خامنئي، بما يخرج البركان من تحت هذه القشرة التي يغطي بها النظام على حقيقة الصراع في إيران بما يسمح بنزع الغطاء العقائدي عنه، ليظهر مكشوفًا أمام الإيرانيين، وبذلك يضاف إسناد بالغ الأهمية للحركات الشبابية الإيرانية كما للتيارات اليسارية والعلمانية.

موت خامنئي سيعني فيما يعنيه كبسولة الانفجار بعد اربعين سنة من سطوة “الفقيه”.. الإيرانيون ينتظرون موته، وكذا الكثير من شعوب العالم التي تناصر حق الإنسان في الحريات والحياة.

Exit mobile version