رسائل ما وراء الكواليس.. هل يستطيع الشرع كسب ثقة ترامب وإنقاذ سوريا

محمد القضماني

بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، يقف أحمد الشرع، الرئيس الجديد لسوريا الانتقالية، أمام تحدٍ كبير: إعادة بناء بلد مدمر وسط توترات إقليمية معقدة. في الوقت نفسه، يعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، باحثًا عن صفقات تعزز إرثه.

وفي ظل قرب زيارة الرئيس دونالد ترامب للمنطقة، تسعى المملكة العربية السعودية لترتيب لقاء بين الرئيسين أحمد الشرع ودونالد ترامب في المملكة. فما الذي يمكن أن يقدمه الشرع لترامب؟ وهل يحمل الشرع أوراقاً قد تغير قواعد اللعبة وتثبّت حكمه؟

سوريا الجديدة: بوابة للتعاون الأمني

الشرع، الذي قاد هيئة تحرير الشام إلى السيطرة على سوريا، يمتلك خبرة ميدانية تجعله لاعبًا فريدًا. أولى عروضه لترامب هي المساعدة في مكافحة الإرهاب، وهي أولوية أمريكية لا تتزعزع. يمكنه تفكيك خلايا داعش المتبقية، مستفيدًا من شبكاته الاستخباراتية القديمة لضمان ألا تتحول سوريا إلى ملاذ للمتطرفين.

لكن الأمر يتجاوز ذلك: الشرع عمل ويعمل على قطع كل خطوط إمداد الأسلحة إلى حزب الله، وهي نقطة حساسة لإسرائيل تبرر بها غاراتها الجوية.
التعاون الاستخباراتي قد يكون الجوهرة في هذه الصفقة. بفضل معرفته بالتضاريس والشبكات المحلية، يمكن للشرع أن يقدم معلومات حيوية لوكالات مثل الـ CIA، سواء عن تحركات الجماعات المتطرفة أو مخازن الأسلحة السرية. بل إنه قد يسمح بنشر طائرات مسيرة أمريكية أو فرق استخباراتية صغيرة لمراقبة الحدود، مما يعزز دور ترامب كقائد عالمي في الحرب على الإرهاب، ويقلل من حاجة إسرائيل للتدخل المباشر.

لغز أوستن تايس: بادرة إنسانية ودبلوماسية

من بين العروض الأكثر جاذبية لترامب قضية الصحفي الأمريكي أوستن تايس، المفقود في سوريا منذ أغسطس 2012. تايس، وهو صحفي مستقل ومخضرم في البحرية الأمريكية، اختفى أثناء تغطيته للحرب قرب دمشق، ولا يزال مصيره مجهولاً. الشرع، بوصوله إلى سجلات النظام السابق وشبكاته المحلية، يمكنه أن يقود جهودًا جدية للعثور عليه – أو على الأقل تقديم أدلة حاسمة عن مصيره.

هذه ليست مجرد مسألة إنسانية. إذا نجح الشرع في حل هذا اللغز، فسيمنح ترامب انتصارًا شخصيًا يعزز شعبيته داخليًا، خاصة بين ناخبيه الذين يهتمون بقضايا الأمريكيين المفقودين. قد يتخيل ترامب نفسه يعلن عودة تايس في مؤتمر صحفي، مُظهرًا الشرع كشريك موثوق.

إيران وإسرائيل: ورقة التوازن

ترامب يسعى لتحجيم إيران وخضرها ضمن حدودها الداخلية، والشرع يعرف كيف يستغل ذلك. النفوذ الإيراني في سوريا ربما تقلص كثيراً لكنّه لم ينته بشكل كامل. قد يكون مفتاح الصفقة. الشرع يستطيع ملاحقة ما تبقى من بقايا النفوذ الإيراني في سوريا، كما يمكن أن يشكل حائط صد للبوابة الشرقية ضد أي محاولة إيرانية لإحداث الفوضى، خاصة في ظل التهديدات الأمريكية والإسرائيلية لضرب إيران بعد انتهاء المدة للرد على عرض ترامب للقيادة الإيرانية في 12 مايو/ أيّار القادم، كما يمكن لشرع أن يصدر بيانات تؤكد أن سوريا لن تكون منصة لتهديد إسرائيل. لكن هذا ليس كل شيء – يمكنه أيضًا إقامة منطقة عازلة جنوب سوريا، ربما تحت إشراف أمريكي، لضمان الاستقرار قرب الجولان.

هذه الخطوات قد تقلل من مخاوف إسرائيل، لكنها تتطلب من ترامب الضغط على نتنياهو لوقف الغارات. ترامب، الذي اعترف بسيادة إسرائيل على الجولان في 2019، يملك النفوذ لتحقيق ذلك، خاصة إذا قدم الشرع ضمانات بعدم التصعيد. لكن التحدي الأكبر يكمن في الموازنة بين إسرائيل وتركيا، الحليفة الرئيسية لهيئة تحرير الشام.

تركيا وإسرائيل: رقصة دبلوماسية

في خضم التحولات السياسية العميقة التي شهدتها الساحة السورية مؤخرًا، برزت تركيا وإسرائيل كفاعلين إقليميين يسعيان إلى تحقيق مصالحهما في سوريا، كلٌ وفق رؤيته واستراتيجيته.

وبينما تتشابك الأجندات وتتقاطع المصالح، يجد الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، نفسه أمام تحدي الموازنة بين هذين الطرفين، في محاولة للحفاظ على استقرار بلاده وتجنب الانزلاق في صراعات إقليمية جديدة.

أنقرة: دعم مشروط وهواجس أمنية

منذ صعود أحمد الشرع إلى السلطة، أبدت تركيا دعمها له، متوقعةً منه اتخاذ خطوات حاسمة تجاه وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، التي تعتبرها أنقرة امتدادًا لـحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف إرهابيًا. في ديسمبر 2024، أعلن الشرع، خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في دمشق، أن جميع الأسلحة، بما فيها تلك التي بحوزة الفصائل الكردية المسلحة، يجب أن تُسلَّم لسيطرة الدولة.

هذا الإعلان واتفاق أحمد الشرع مع قسد بقيادة مظلوم العبدي، لاقت ترحيبًا حذرًا من أنقرة، التي لا تزال تشعر بالقلق إزاء بقاء عناصر من الـ PKK في منطقة الجزيرة السورية.

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أكد في تصريحات لاحقة أن تركيا في “حوار وثيق” مع القيادة السورية الجديدة، مشددًا على التزام بلاده بدعم وحدة الأراضي السورية وعدم السماح بوجود “جماعات إرهابية” على حدودها الجنوبية. ومع ذلك، فإن أنقرة تراقب بحذر تطورات الأوضاع، خاصةً فيما يتعلق بالاتفاقات التي يبرمها الشرع مع الفصائل الكردية.

تل أبيب: مخاوف من النفوذ التركي وتطلعات أمنية

على الجانب الآخر، تنظر إسرائيل بقلق إلى تنامي الدور التركي في سوريا، معتبرةً أن أنقرة تسعى لتعزيز نفوذها الإقليمي على حساب مصالح دول أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تسعى إسرائيل لضمان عدم وجود تهديدات على حدودها الشمالية، وفي هذا السياق، تأمل تل أبيب في أن يتخذ الشرع خطوات جادة لطمأنتها بعدم وجود أي تهديد على حدودها الشمالية، على الرغم من أنّ الشرع سبق وصرّح عند بداية وصوله إلى دمشق، أنّ لا نيّة للقيادة الجديدة في الدخول في أي صراعات مع دول الجوار، وأنّ الوقت الآن هو وقت البناء، ليس وقت الحرب، يبدو هذا غير كافٍ لإسرائيل، التي يبدو وأنّ قلقها ليس فقط مما هو قريب من حدودها الشمالية، وإنّما مما هو قريب من وسط سوريا، وهو النفوذ التركي.

الشرع: توازن دقيق بين المصالح المتضاربة

في ظل هذه التعقيدات، يسعى الرئيس أحمد الشرع إلى تحقيق توازن دقيق بين مطالب تركيا وإسرائيل. فمن جهة، يقدم تعاونًا استخباراتيًا مع أنقرة لمواجهة تهديدات الأكراد، ومن جهة أخرى، يطمئن تل أبيب بأنّ أي وجود إيراني في سوريا، وأنّ قطع كل طرق إمداد حزب الله، هو مصلحة سورية إسرائيلية مشتركة. وأنّ لا تهديدات ستأخذ موضع قدم على حدودها الشمالية، بالإضافة إلى نيّة القيادة في سوريا على التعاون مع المجتمع الدولي فيما يتعلق بملف الأسلحة الكيميائية.

هذا التوازن يتطلب دعمًا دوليًا، وهنا يأتي دور الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع كل من أنقرة وتل أبيب، مما يؤهله للعب دور الوسيط في هذه المعادلة المعقدة.

تحديات وفرص في الأفق السوري

المشهد السوري الحالي يعكس تداخلًا معقدًا للمصالح الإقليمية والدولية. وفي هذا السياق، يواجه الرئيس أحمد الشرع تحديًا كبيرًا في تحقيق توازن يضمن استقرار بلاده ويجنبها الدخول في صراعات جديدة. نجاحه في هذا المسعى يعتمد بشكل كبير على قدرته في المناورة بين القوى الإقليمية والدولية، والاستفادة من التناقضات لتحقيق مصلحة سوريا العليا.

مكاسب اقتصادية وسياسيةلن يكتفي الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بلعب ورقة الأمن والمصالح الإقليمية لإرضاء القوى الكبرى، بل يسعى بذكاء إلى فتح أبواب الاستثمار، ربما أمام الولايات المتحدة، مستفيدًا من طبيعة شخصية الرئيس الأمريكي العائد إلى البيت الأبيض، وتوجهاته الاقتصادية النفعية. في هذا السياق، تتشكل ملامح سياسة سورية جديدة، تتقاطع فيها ملفات الإعمار والسيادة والطموحات الجيوسياسية.

الشرع يعرض ما يُناسب ترامب: هل تشكل سوريا الجديدة سوق تجاري واعد؟
في قلب هذه المقاربة، ربما يقدم الشرع رؤية اقتصادية براغماتية لإعادة بناء سوريا، تعتمد على إغراء الشركات الأمريكية بصفقات ضخمة في مجالات البنية التحتية، البناء السكني، وإعادة تشغيل المرافق الصناعية.

يدرك الشرع أن النفط السوري – رغم وجوده – لا يشكل حافزًا كافيًا لترامب، الذي لا يُخفي تفضيله للعقود الكبرى والصفقات الاستثمارية التي تنعش الاقتصاد الأمريكي مباشرة وتُضخّم صورته كرجل صفقات عالمي.

وبينما تُشير بعض الدراسات إلى احتمال وجود احتياطيات واعدة من الغاز الطبيعي قبالة الساحل السوري، إلا أن هذه الدراسات – التي تعود لأكثر من عقد – لم تشهد تقدمًا فعليًا في ظل الحرب. لكن الشرع لا يراهن فقط على “الثروات المؤجلة”، بل على أرباح واقعية وسريعة يمكن أن تجنيها الشركات الأمريكية في مشاريع ضخمة لتأهيل المدن، وإنشاء المناطق الصناعية، وشبكات الكهرباء، المياه، والطرقات.

تقليص النفوذ الروسي… ومغازلة واشنطن

من بين أوراق الشرع أيضًا، تقليص الاعتماد التقليدي على روسيا، الحليف العسكري الذي لعب دورًا حاسمًا في بقاء النظام السابق، لكن استمرارية نفوذه اليوم قد تصطدم بمطالب الداخل السوري برؤية أكثر توازنًا للسياسة الخارجية، وبالرغبة في تنويع الحلفاء.

من خلال فتح الأبواب أمام الشركات الأمريكية، يمكن للشرع أن يعيد صياغة دور روسيا في سوريا، من شريك استراتيجي إلى فاعل غير حصري، ما يمنح الولايات المتحدة نفوذًا جديدًا في قلب الشرق الأوسط — وهو ما يمكن أن يُعتبر “نصرًا جيوسياسيًا” محببًا لترامب، الذي لطالما انتقد ضعف التأثير الأمريكي في ملفات إقليمية لصالح خصومه.

الدبلوماسية كرافعة اقتصادية وجيوسياسية

السياسة لا تنفصل عن الاقتصاد في عقلية الشرع، فهو يعلم أن تقديم التنازلات لا يجب أن يكون أحادي الاتجاه. في مقابل الاستثمارات الأمريكية، يمكن للشرع تقديم دعم دبلوماسي لمبادرات ترامب، مثل توسيع اتفاقيات أبراهام، التي تهدف إلى تعميق العلاقات بين إسرائيل ودول عربية جديدة.

ورغم أن هذا الملف لا يزال حساسًا في الداخل السوري، فإن الشرع قد يطرحه في إطار أوسع يراعي الأمن الإقليمي والاقتصاد، لا التطبيع فقط، وهو ما قد يُعزز صورته كـ „زعيم براغماتي” قادر على تحويل سوريا من ساحة صراع إلى فاعل سياسي مؤثر في هندسة التوازنات الإقليمية.

مشروع صفقة كبرى… لا مجرد توافق مؤقت

في نهاية المطاف، يبدو أن الرئيس أحمد الشرع يبني رؤية استراتيجية متكاملة، تتجاوز الأمن والسيادة إلى الاقتصاد والتحالفات الدولية. ومن خلال اللعب على أوتار الطموحات الترامبية، يضع أمام الولايات المتحدة عرضًا يصعب تجاهله: سوريا ما بعد الحرب كسوق مفتوح وفرصة استراتيجية لتجديد الحضور الأمريكي في المنطقة، في توازن جديد قد يُغير وجه الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.

فهل يُغري هذا العرض ترامب بما يكفي ليضع يده بعمق في الملف السوري
ماذا يريد الشرع؟

في المقابل، يسعى الشرع لثلاثة أهداف: أولاً، ضغط ترامب على إسرائيل لوقف غاراتها التي تهدد استقراره. ثانيًا، دعم اقتصادي وسياسي لإعادة الإعمار وتخفيف العقوبات. ثالثًا، تعزيز شرعيته كرئيس انتقالي في بلد منقسم.

رسائل من وراء الكواليس

تخيلوا الشرع يكتب: “سأطرد إيران نهائياً، سأغلق كل الطرق على حزب الله، وأجد أوستن تايس. امنحني دعمك في إيقاف إسرائيل.” ترامب يرد: “إذا أعطيتني إيران خارجة وصفقات كبيرة، سأهدئ نتنياهو. لنصنع شيئًا عظيمًا!” هذه صفقة تجمع بين رجل يقاتل لتثبيت سلطته وزعيم يبحث عن انتصارات.
هل تنجح الصفقة؟

الشرع يقدم مزيجًا من الأمن، الاستخبارات، والاقتصاد، بينما يمنح ترامب فرصة لتعزيز إرثه. لكن النجاح يعتمد على قدرة الشرع على الوفاء بوعوده، ومهارة ترامب في إقناع إسرائيل وتركيا بالتعايش. إذا نجحت هذه الشراكة، فقد نشهد فصلًا جديدًا في الشرق الأوسط – أو على الأقل، مغامرة دبلوماسية تستحق المتابعة.

Exit mobile version