رغم قساوة الحرب.. السوريون مجتمع متحابّ

يتمتع الإنسان بفطرة وحب للخير مغروس فيه منذ ولادته.. ورغم جدليات صراع السوسيولجيين وعلماء الاجتماع حول طبيعتي الانسان الشريرة والخيرة؛ نجد نوعًا من التوافق أن صعوبات الحياة تزيد من القسوة النفسية عند الاإنسان وتدفعه لتقليل أعمال الخير والتعاون مدفوعاً بــ “الأنا” والخوف على الذات.

وفي حالات مغايرة تثبت ألفة المجتمع وحنو أفراده على بعضهم البعض؛ قوة هذا المجتمع ومتانة المعدن النبيل لمختلف مكوناته كحالة الشعب السوري الذي تكاثرت عليه الهموم بين همّ النظام وطغيانه وحكمه للشعب بالحديد والنار، وبين تدهور واقع اقتصادي انهارت معه الطبقة المتوسطة وزاد فقر الطبقات الدنيا وقفزت أٍعار الغذاء ونقصت الحاجات الغذائية وقوت الشعب فيما المسؤولين وأصحاب النفوذ يعتاشون من خير شعب عانى الأمرين من عقود وبالأخص خلال السنوات الأخيرة للأزمة.

فبدأت تنتشر في سوريا بعض المظاهر الفريدة في التعاون الاجتماعي في ظل هذا الواقع الأسود، وتمثل آخرها في قيام أشخاص بتسديد ديون مستحقة على بعض الأسر في المحلات والدكاكين الصغيرة.

وتناقلت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، أكثر من حالة قام فيها أشخاص بالبحث في “دفاتر” أصحاب المحلات، وتسديد ديون أسر لا يملك كثير منها ثمن الحاجات اليومية، فيقومون بالشراء الآجل أو ما يعرف في البلاد “الاستدانة”.

وفي ناحية وادي العيون في محافظة حماة، أكدت مصادر إعلامية لـ”روسيا اليوم” ما تم تداوله من أن أحد الأشخاص، قام بتسديد “دفتر الديون كاملا في عدد من المحلات” ولم يرغب بأن يعرفه أحد، وتناقلت صفحات أن المبلغ المسدد تجاوز المليون ليرة.

حادثة مشابهة شهدتها ضاحية تشرين في محافظة اللاذقية، إذ قام شخصان مجهولان بتسديد “الديون المترتبة على الفقراء”، في محلات الخضار والفواكه والمواد الغذائية واللحوم، ووصل العدد حسب بعض الصفحات، إلى أكثر من 93 أسرة، وتجاوز المبلغ المسدد نحو مليوني ليرة. وأيضا لم يفصح الشخصان عن هويتهما.
وانتشرت في الآونة الأخيرة في سوريا، دعوات لمن يريد دعم الناس بأن ثمة عدة طرق منها التوجه إلى “دكاكين” الخضار والفواكه وتسديد الديون المترتبة على العائلات الفقيرة، وذلك وسط أزمة مستمرة وغير مسبوقة في ارتفاع الأسعار، حتى أن كثيرين باتوا يواجهون مشكلة في تأمين الغذاء.. وتظهر الاستجابة السريعة نجاح تلك المبادرة ولو جزئيّاً.

ورغم ما قد يقال أن تصرفات فردية كهذه لن تحقق حلولاً فعلية في مواجهة انهيار اقتصادي متسارع؛ لكن البعد الاجتماعي العميق لتصرفات كهذه يتجاوز قضية الأزمة الحالية ويرتبط ببقاء البلد وشعبه من عدمه؛ فصراع الأشخاص والأفكار وبقاء المجتمعات يعتمد على القوة الداخلية والنواة الصلبة لمجتمع كهذا؛ بحيث تمكنه من تجاوز آثار الكوارث التي قد تعصف به لينهض بعدها معيداً بناء ما تهدم ومتجاوزاً الآثار الكارثية لسنوات الحرب.

وحالة المجتمع الألماني مثال بارز على قدرة وتكيف المجتمع على تجاوز حرب كارثية مسحت ألمانيا وقسمت البلاد وقتلت ملايين البشر؛ لكن تماسك المجتمع الألماني سمح لهم بالنهوض مجدداً بعد عقدين من الزمن لتصبح من كبرى الاقتصادات العالمية ” مع عدم اهمال خصوصيا كل تجربة” حيث نركز هنا على البعد المجتمعي والذي يحمل في طياته تساؤلًا خاصًا عن قدرة السوريين على النهوض والتعافي ” ما إن ينتهوا من هكذا نظام مجرم” في ظل ابتزاز عالمي وغموض حول مستقبل خطط إعادة الإعمار.

Exit mobile version