
زاوية مينا
حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، كان وقعه صاخبًا، منح السوريين من الفرح ما من فرح يساويه كما سقوط نظام الأسد، لا لفرادة القرار بحد ذاته، بل لأنه حمل في طيّاته احتمالًا نادرًا لتغيير الاتجاه.
اتجاه كان قد أغرق سوريا، فقد طالت المجاعة السوريين، وضاق عليهم العيش، وتكاثفت حولهم جدران الحصار والانهيار، بينما بقيت السياسة عصية على الفهم، مغلقة الأبواب أمام أي تصالح داخلي.
إن الفرح الشعبي العارم الذي ولّده القرار الأميركي، وإن اتخذ طابعًا إنسانيًا، لا ينبغي أن يُقرأ على أنه نصر لطرف دون آخر، بل هو مؤشر عميق على توق السوريين – على اختلاف مواقعهم – إلى أي بارقة حياة، أي ثغرة يمكن من خلالها استعادة شيء من الأمل والكرامة.
السؤال الآن ليس في القرار، بل في مآلاته:
ـ كيف سيتصرّف الرئيس أحمد الشرع والنواة الجديدة للنظام؟
وهل ستقرأ الفصائل الموالية له هذا التحول كمكافأة للاستمرار في النهج ذاته، أم كنداء لا بد من الإصغاء له، بأن سوريا لا تُبنى بالولاءات، بل بالتعدد؛ لا تُدار بالحسابات الأمنية، بل بالخيارات الوطنية؟
إن رفع العقوبات قد يُغري من هم في السلطة بتحويله إلى رافعة للاستفراد، أو لإعادة ترميم أدوات السيطرة لكن هذا سيكون إضاعة للفرصة، واستهانة بثمن التضحيات، ومجازفة مستقبلية بانفجار آخر قد يكون أعنف وأعمق.
لا يمكن لأي مصالحة سورية- سورية أن تتم إذا لم يشعر السوريون جميعًا أن النظام يمثلهم، لا يتسلط عليهم؛ يحتضن اختلافهم، لا يقمعه. وفي هذا السياق، فإن اختبار النوايا لن يكون في الشعارات، بل في الخطوات العملية:
ـ إطلاق حوار وطني حقيقي، لا مُدار.
ـ إعادة صوغ العقد الاجتماعي بما يتجاوز منطق الغلبة.
ـ تفكيك أدوات الفساد، لا إعادة توزيعها
ـ إعادة تعريف “الدولة” كإطار جامع، لا كغطاء لإعادة الهيمنة.
أما في الاقتصاد، فالقرار الأميركي يفتح الباب، لكنه لا يمشي الطريق.
المال قد يتدفق، والاستثمار قد يعود، لكن دون بنية شفافة، ومحاسبة، وإصلاح حقيقي في الإدارة والموارد، فإن أي انتعاش اقتصادي سيكون وهميًا، وغير عادل، ولا مستدام.
سوريا اليوم أمام مفترق طرق نادر:
إما أن يُستثمر هذا التحوّل في بناء وطن جديد لكل السوريين، أو أن يتحوّل إلى جرعة أوكسيجين لنظام قديم يتنفس الأزمة ولا يعرف الحياة خارجها.
الفرصة حقيقية، لكنها لا تنتظر طويلًا. والسوريون يستحقون أكثر من مجرّد رفع عقوبات؛ إنهم يستحقون سياسة تُعيد إليهم الحق في أن يكونوا شعبًا، لا ساحة..