قُتِل رفيق الحريري، ولَم يكن في الذهن يوماً أنّ رفيق الحريري هو “المُخلّص”، غير أنه رجل اشتغل على نقل لبنان من “الساحة” إلى “الدولة”، وهذا ليس أمراً قليل الشأن في بلد تنقّل مابين الدُشَم والخنادق والاقتتال الأهلي لسنوات وسنوات.
أما مقتله فلابد وأنه على صِلة بمن يشتغلون على نقل الأوطان إلى “ساحات”، فالساحة هي النقيض الفعلي للـ “الدولة” على طول الأمكنة والازمان، فإذا ما عدنا إلى مرحلة “الحريرية السياسية” فالثابت أنها أعادت إعمار بيروت، واشتغلت على رسم دستور للبلاد، والمهم من المهم أن رفيق الحريري أسس للحزب الوطني الوحيد، ونعني الحزب الخارج من معطف الطائفة للمعطف الأوسع وهو المعطف الوطني، فتياره، ونعني تيار المستقبل، كان لكل اللبنانيين مسلمين من كل المذاهب، ومسيحيين من كل المذاهب، وكان قد اتسع للعلمانيين ولا أدريين، وهي صيغة وطنية لم تتعرّف عليها بقية الأحزاب والتيارات اللبنانية قاطبة، وهذا على وجه التحديد ما تسبّب بقتل الرجل، اما القاتل فمازال طليقاً.
ـ هو طليق بالإسم والإسم “حزب الله”.
ـ وهو طليق بالمحتوى، وهو الأحزاب المذهبية والدينية.
ـ وهو طليق بالوقائع، والوقائع تقول بنهب اللبنانيين كل اللبنانيين، بدءاً من الرغيف إلى حبّة الدواء.
وهو طليق كذلك، بحرمان “المستقبل” من أن يكون شريكاً في بناء “الدولة” اليوم، ما بعد استبعاد “سعد” من الحياة السياسية اللبنانية ومحاصرته، مرة بتجريده من المال، وثانية بتجريده من القرار، وفي كلّ مرة تجريده من البقاء في لبنان، ما ترك اللبنانيون لصيغة واحدة ويتيمة، أما الصيغة فهي:
ـ أمراء طوائف.
يستثمرون في الطائفة وينتهكون الدولة، وفي الاستثمار انتهاكاً للطائفة، وفي انتهاك الدولة، انتهاكاً آخر للطوائف، فملوك الطوائف يلتهمون طوائفهم ويلتهمون الدولة معاً وفي كلا الحالين، يحوّلون البلد إلى ساحات:
ـ ساحات لهذا وذاك:
للفرنسي والأمريكاني والإيراني والقطري والسعودي، ولزعران الشام، ووحده لبنان ساحة ولا ساحة له.
رحل رفيق الحريري مقتولاً، ومعه رُحّلت لبنان إلى:
ـ الساحة.
ساحة لن تكون دولة.
ستبقى الملعب لما يسمونه:
ـ لعبة الأمم.
وأيّة أمم.
أمم الضباع.
وحدهم الضباع.