اسبانيا ودبلوماسية الرباط.. صِلات وقطيعة

تشهد العلاقات المغربية الإسبانية، توترات و هدوءًا متكرراً عبر السنين، حيث تحتكم علاقات البلدين للمتغيرات الجيو-سياسية الحاكمة في الإقليم بالإضافة للمتغيرات الداخلية خصوصاً في داخل اسبانيا “ذات الديمقراطية” المختلفة عن الوضع المغربي.

ومؤخراً شهدت العلاقات بين البلدين منعطفين هامين في مسيرة العلاقات المعقدة بين الرباط ومدريد

تمثل أول تلك المتغيرات بقرار المغرب ترسيم حدوده البحرية، خصوصاً في أقاليمه الجنوبية، مما أثار غضب اسبانيا وبالتحديد جزر الكناري التابعة للملكة الإسبانية والواقعة قبالة السواحل المغربية الجنوبية.

الحدث الثاني تمثل بتشكيل حكومة ائتلافية جديدة في اسبانيا، ضمت بين أعضائها معادين لخطط المغرب ومواقفه خصوصا في قضية الصحراء المغربية.

حكومة ائتلافية وعداء مستتر محتمل

فاز رئيس الحكومة الإسبانية المؤقتة “بيدرو سانشيز” والحزب الاشتراكي الاسباني بنيل ثقة مجلس النواب الاسباني، وتمكن من استحصال ثقة البرلمان بعد نيله أغلبية نسبية من خلال أصوات الحزب الاشتراكي (120 صوت) وتحالف اليسار “موحدون نستطيع” (42 صوت) والحزب الجمهوري الكتلاني (13 صوت) وتحالف “البلد أكثر” ذي الأصوات الأربعة.

وتتميز تشكيلته الجديدة بأعضاء لا يميلون للوحدة الترابية في المملكة المغربية وامتدادها في الصحراء الغربية -حزب بوديموس وشركائه – والذين للمفارقة، يعتبرون مدافعين بقوة عن المهاجرين المغاربة في اسبانيا وعموم اوربا، ضد توجهات اليمين الأوربي المتطرف.

تكمن إشكالية المغرب المتوقعة، مع وصول خمس وزراء من توجهات تخاصم المغرب، ورغم استحصال الوزراء الخمسة على وزارات عادية غير حساسة لكن تواجدهم في التشكيلة الوزارية قد يلقي بظلاله على علاقة البلدين المتناغمة.

حكومة سابقة وعلاقات جيدة

يشهد لفترة حكم سانشيز السابقة، أنها رفعت درجات التقارب والتفاهم مع المغرب منذ توليه الحكومة الإسبانية عام 2018 حيث ارتفع التنسيق بين البلدين لمستويات عالية في كافة المجالات.

ويذكر لحكومة سانشيز دفاعها عن المغرب في الكواليس الأوربية والدولية، ولعل توقيع اتفاق الصيد البحري بين أوربا والمغرب، مثال صارخ على ذلك حين ضغط الحكومة الإسبانية من أجل التعجيل بتوقيع تلك الاتفاقية.
ولوحظ تخفيف عبارات تقرير المصير التي كانت تستخدمها اسبانيا ضد المغرب حول قضية الصحراء الغربية في منتديات الأمم المتحدة، وهي القضية الحساسة بالنسبة للرباط!.

ترسيم الحدود البحرية

أثار قرار المملكة المغربية ترسيم حدودها البحرية مع الدول المجاورة، ردود فعل واسعة مع الجيران!.

وتؤكد الحكومة المغربية أن توجه المغرب لترسيم مياهه وحدوده الدولية، خصوصا قبالة الأقاليم الجنوبية، بحسب صحيفة هسبريس، قرار سيادي خاص.

هذا وأكد وزير الثقافة والشباب والرياضة ” الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية”، الحسن عباية، أن المملكة المغربية لها كامل الحق في القيام بترسيم حدودها الجغرافية.

واعتبرت مصادر إسبانية أن ترسيم الحدود الذي يعتزم المغرب إجراؤه، يهدد ارخبيل جزر الكناري الذي تسيطر عليه اسبانيا، وتعتبره الرباط جزءً من أراضيها، ولا تزال الحدود الدولية لجزر الكناري موضوع نزاع بين اسبانيا والمغرب.

وكرد فعلي أولي على رغبة المغرب ترسيم حدوده؛ نشرت القوات الجوية الإسبانية طائرات “إف-16” قبالة سواحل جزر الكناري.

واعتبر رئيس جزر الكناري (حكم ذاتي تحت التاج الاسباني)، الاشتراكي فيكتور توريس، أن السلطة التنفيذية الإقليمية وحكومة اسبانيا ستواجهان أي مساس بالسيادة الإسبانية!.

وسبق أن أثار ترسيم المياه الاقليمية، الجدل بين اسبانيا والمغرب ، فاحتجت الرياض على مبادرة مدريد عام 2015 بشكل أحادي ووضعت طلباً لدى الأمم المتحدة لترسيم حدودها البحرية.

واعتبرت الحكومة المغربية، على لسان وزير خارجيتها “ناصر بوريطة” أن هناك مجموعة من المحددات وراء أعداد وعرض هذه المشاريع في هذا الوقت بالذات!.

واعتبر الوزير أن عمق هذه الخطوة، جاء من حرص المغرب على حماية وصون مصالحه العليا على مستوى ترابه، كما على المستوى الجيوسياسي للمنطقة.

مفاوضات محتملة

تزور “رانشا غونزاليس لايا” وزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوربي والتعاون الاسبانية، العاصمة المغربية الرباط، يوم الجمعة القادم، حيث من المقرر أن تقوم الوزيرة بمباحثات مع المسؤولين المغاربة.

ويرى المسؤولون الاسبان أن هذه الزيارة تأتي لتأكيد الطابع الاستراتيجي لعلاقات اسبانيا بالمغرب في كافة المجالات!.

وتعتبر زيارة الوزيرة هي الأولى لها، منذ تسلمها المنصب، حيث يتوقع أن تجرى المباحثات حول قانون ترسيم الحدود البحرية الذي لم يحل بعد إلى الجلسة العامة للبرلمان بعد أن صادقت عليه لجنتي الخارجية والدفاع الوطني.

يذكر أن الرباط أبدت استعدادها للتفاوض مع الدول المعنية بخطط ترسيم الحدود البحرية، خصوصا مع اسبانيا وموريتانيا وفقا لقانون البحار الذي صادق عليه المغرب عام 2007 والذي حدد فترة 10 سنوات لتحديد الجرف القاري. 

Exit mobile version