التقى الرئيسان التركي والروسي قبيل انعقاد القمة الثلاثية في أنقرة على انفراد، ولمدة ساعة ونصف ناقش الزعيمان المحركان للقوات العسكرية على الأراضي السورية مجريات الوضع.
لم يرق الوضع القائم لبوتين ولأردوغان الذي يهدد بطرح خطة بديلة عن المنطقة الآمنة التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية لحلفائها في شمال شرق سوريا-قوات سوريا الديمقراطية-، كما أن الروس مضطربون من التدخل الدولي بالشمال السوري، والتحكم الأمريكي، مما دفع الطرفين إلى عقد اتفاقات سرية لم تخرج إلى العلن، لكن التسريبات التي خرجت من أروقة قصر تشانكايا في أنقرة توافقت مع ما يُحضر في إدلب، وهذا ما أعطى التكهنات والتسريبات مصداقية أكبر.
هل التين التركي كان مقابل البوظة الروسية؟
ومفاد الأخبار المسربة من اجتماع القمة الثلاثي بأن روسيا وتركيا اتفقا في الاجتماع الأخير على السيطرة على المزيد من الأراضي السورية تحت إطار ما يسمى بالمنطقة الآمنة، واتفق الطرفان على تسيير دوريات عسكرية مشتركة على الطريق الدولي “حلب- دمشق” مما يعني أن الطريق الدولي الذي أغلق منذ 2012 سيفتح بمساعي تركية روسية، وستجبر الفصائل المقاتلة في الشمال السوري على الانسحاب من كل نقاط تمركزها القريبة من هذا المحور، مما ييسر عمل الدرويات الروسية التركية المشتركة، وهذا من شأنه إنعاش الطريق الاقتصادي بين الروس والأتراك عبر الأراضي السورية، لكن على حساب الشعب السوري.
كما أن الأتراك يطمحون للاحتفاظ بأكثر أوراق الضغط على الجانب الأمريكي لدفعه إلى تطبيق مشروع المنطقة الآمنة بما يتوافق مع المصلحة التركية.
من جهة ثانية تؤمن هذه الخطوة للروس سبقاً في الاحتفاظ بالخطوط الحيوية في الشمال السوري بعيداً عن العبث الإيراني وقبل أن تصل الأيادي الإيرانية صاحبة السطوة في الساحل السوري إلى الطريق الدولي بشكل أساسي، وإلى المناطق المحيطة به على اعتباره صلة وصل مع الأراضي العراقية والحدود السورية العراقية حيث تقيم إيران مراكز للمليشيات الشيعية التي تدربها والمعامل العسكرية التي تشرف عليها، والتي كشفتها الأقمار الصناعية مؤخراً.
وتشترط روسيا من أجل وقف إطلاق النار على المدنيين في إدلب فتح الطريق الدولي “دمشق حلب” ما يضمن سيطرتها على الأراضي السورية من شمالها وحتى جنوبها، كما يربط هذا الطريق مدينة حلب بالساحل السوري ومدينة حماة وريفها والتي سيطر مؤخراً عليها نظام الأسد المدعوم بقوات روسية.
وقالت مصادر إعلامية سورية محلية بأن دوريات تركية يرافقها آليات عسكرية تم تسييرها أمس الخميس على الطريق الدولي دمشق- حلب، بالقرب من قرية برقوم بريف حلب الجنوبي، ورافق الدورية التركية عناصر من الفصائل السورية المعارضة المدعومة من تركية.
وقالت مصادر مقربة من هيئة تحرير الشام، إن الهيئة مستعد لسحب قواتها ونقاط تمركزها من جنوب محافظة إدلب، وذلك تمهيداً لفتح الطريق الدولي، حيث لوحظ في اليومين السابقين تعزيز قوات هيئة تحرير الشام لقواتها ونقاط تواجدها على محور الكبانة، بجبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي.
وأكد القيادي في الجيش السوري الحر “مصطفى السيجري” هذه الأخبار قائلاً:” اتفقا على إنشاء منطقة عازلة جديدة بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية، خالية من السلاح الثقيل، كما نصّ الاتفاق على تحديد مسار الدوريات التركية الروسية المشتركة، وإبعاد الشخصيات المصنّفة على لوائح الإرهاب الدولية”، على أن تدخل الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني السوري إلى المنطقة، لتقديم الخدمات مع استئناف الدعم الإنساني الدولي، وبحسب سيجري فإن الاتفاق ينصّ على “استكمال الخطوات النهائية بما يخص اللجنة الدستورية، ووضع قانون انتخابات جديد”، كما أكد أن من بنود اتفاق أنقرة أيضاً حلّ ما يسمى بـ”حكومة الإنقاذ”، التي شكّلتها “هيئة تحرير الشام” – “جبهة النصرة” سابقاً.
وفي اتصال هاتفي لمرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع العقيد “فاتح حسون” وهو أحد قيادات الجيش السوري الحر الموجودين في محافظة إدلب السورية قال: ” ما حصل هو رفض وإعاقة تركية لما تود أن تقوم به روسيا في المنطقة المحررة شمال غرب الفرات، فاتفاقية قمة سوتشي حول إدلب التي جرت بين الرئيسين التركي والروسي تنص على تحقيق استقرار الأوضاع داخل منطقة خفض التصعيد “إدلب”، والإبقاء على منطقة خفض التصعيد في إدلب، وتحصين نقاط المراقبة التركية واستمرار عملها، وبأن الاتحاد الروسي سيتخذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان تجنب تنفيذ عمليات عسكرية وهجمات على إدلب، والإبقاء على الوضع القائم”.
وتابع حسون شارحاً: ” لكن روسيا لم تف بعهودها والتزاماتها، وقفزت على البندين الأساسيين من الاتفاقية لتطالب بتطبيق منطقة منزوعة السلاح وحل الفصائل المصنفة وفتح الطريقين الدوليين م4 وم5، وهي البنود التي ترى تركيا أنها تحتاج لوقت للتطبيق، ويشترط تطبيقها تحقيق استقرار في المنطقة ووقف لإطلاق النار”.
وأكد حسون في حديثه مع مرصد مينا؛ أن روسيا حاليا تعمل على التصعيد العسكري والسياسي وإيقاف كل السبل والآليات لتحقيق استقرار في المنطقة طمعا منها بأن تجتاحها وتفرض هيمنة نظام الأسد المجرم عليها، تساندها في ذلك إيران وميليشياتها الطائفية.
ويرى حسون أنه “لم يبق أمامنا كقوى ثورة إلا الاستعداد الجاد والفاعل للوقوف بوجه معركة ستأتي لا محال، لكنها ستكون أم المعارك، فلا يمكن إن شنت روسيا عملية شاملة أن نتقيد بتفاهمات هنا وهناك، بل سيكون هناك تطبيق لخطط مباشرة، وأخرى غير مباشرة وطويلة الأمد، وسنستخدم كافة السبل والآليات الممكنة للصمود، وللضغط على المجتمع الدولي ليقوم بواجباته التي يتنصل منها مستتراً خلف الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن”.
ولم تتوقف الغارات الروسية على المناطق السورية الواقعة في جنوب محافظة إدلب شمال سوريا، حيث قصفت قوات النظام، أمس الخميس، بالصواريخ والمدفعية، بلدات كنصفرة ومعرة حرمة وكفرنبل في ريف إدلب الجنوبي، كما طال القصف بلدات حيش وكفرسجنة والشيخ مصطفى وبداما والناجية، ومواقع ومناطق أخرى بأرياف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي والغربي، إضافة إلى استهداف محور كبينة بريف اللاذقية الشمالي بعشرات القذائف.
مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي