ليس أمرًا عابرًا أن يعلن قائد عسكري إيراني (مرموق) أن قاسم سليماني وقبل رحيله قد بشّر بأنه قام بتنظيم ستة جيوش خارج بلاده.
الكلام لم نسمعه من قاسم سليماني، سمعناه من غلام رشيد، وهو واحد من قادة الحرس الثوري الإيراني وله من الجيش ما يعرف بـ ” لواء خاتم الأنبياء”، وكان قد نقل عن سليماني ذاك الكلام في حفل لقيادة الأركان العامة في الجيش الإيراني، ومن ثم نقلته وكالة “مهر” الإيرانية.
حسب منطوقه، فتلك الجيوش تحمل بعدًا عقائديًا وبطبيعة الحال فـ “العقائدي” هنا يعني التمذهب الشيعي، كما كان قد أضاف أن هذه الجيوش “تعيش خارج إيران”.
كلام غلام رشيد، لايضيف أي جديد على مستوى المعلومة، ولكنه يحمل جديدًا على مستوى “إشهار المعلومة”، فالجيوش الستة التي يحكي عنها لابد وأنها تشمل حزب الله في لبنان، وحركتي حماس والجهاد، وميليشيات مضافة لقوات النظام في سوريا، والحشد الشعبي العراقي، وميليشيا الحوثيين في اليمن.
لم يسبق أن تقدمت أية جهة عسكرية أو دبلوماسية أو سياسية إيرانية بمثل هكذا اعتراف، على العكس، فقد كانت حكومة طهران تنفي باستمرار مثل هكذا كلام، خصوصاً حول تواجد قوات إيرانية في اليمن ودول عربية أخرى وتأثير ذلك على سياسة طهران الخارجية.
كان الحرس الثوري يحكي بما لايتجاوز تصريحات من نوع ” إرسال مستشارين عسكريين لمساعدة مليشيات الحوثي في اليمن” على سبيل المثال.
أو تحكي باستقلالية “حزب الله” عن الحرس الثوري واعتباره قوة لبنانية سقفها “حليفة لإيران”، واليوم تختلف اللغة، ولا ندري حقيقة الدوافع التي سمحت للقائد العسكري اياه بتغيير اللغة الإيرانية على هذا النحو:
ـ هل هو فائض القوة، أم هو فائض الضيق؟
إذا كان الأمر متعلقًا بفائض القوة، فهو يعني أن “الحرس الثوري ” الإيراني تجاوز المخاوف من الرأي العام الدولي أو القوة الدولية المناوئة، وبهذا فنشر غسيله على هذا النحو، لن يضيره، وإذا كان فائض الضعف، فهو يعني أنه يهدد كما الكثير من الأنظمة التي تقف على حافة الانهيار، ومثالها “مدفع صدام حسين العملاق”، الذي ثبت أنه مجرد أنبوب للصرف الصحي، وفي الحالين فمن غير اللائق أن يقف العالم ليتفرج على مثل هذا الخطاب الذي يعني:
ـ استباحة إيران لأراضي الغير، وتشكيلها قوى احتلال.
واقع الأمر أنها فعلاً قوة احتلال، وليس ثمة ما يستدعي البرهان، فالبرهان يمكن أن يأتي من “حزب الله” في لبنان وقد بسط يده على لبنان، أو من “الحشد الشعبي” في العراق، أو من “الحوثيين ” في اليمن، والجبهات الإيرانية مفتوحة في الكثير من المواقع في العالم، هذا عداك عن جبهات المخدرات والاغتيالات والمال الأسود الذي يعبر مكاتب الصيرفة ولا يتوقف في حدائق المدمنين.
كلام غلام رشيد ليس جديدًا بالمعنى العام، غير أنه أكثر وضوحًا، فقد سبق وغداة وقف النار الذي بدأ قبل أشهر بين إسرائيل والفلسطينيين، أن وجه رئيس مكتب حماس السياسي، إسماعيل هنية الشكر لإيران ومرشدها، طالبا في الوقت عينه من الدول العربية المساهمة في إعادة إعمار القطاع، وليس من صورة أوضح من تلك الصورة التي نشرتها الوكالات واسماعيل هنية ينحني ويقبل يد علي خامنئي، للقول بأن “حماس” جيش من جيوش الولي الفقيه.
أما في سوريا، فتقدر أعداد الميليشيات الإيرانية بالآلاف، وتحديداً المنطقة الممتدة بين مدينتي البوكمال الحدودية ودير الزور مروراً بالميادين، والتي لطالما أذكت نار الحرب المشتعلة منذ 10 سنوات.
وفي العراق أيضاً، فغالبا ما اتهمت الإدارة الأميركية بعض الميليشيات المسلحة في العراق، باستهداف مقار عسكرية تضم قوات أميركية تعمل ضمن التحالف الدولي. كما اتهمت مرارا تلك الفصائل بمحاولة استهداف السفارة الأميركية في بغداد بصواريخ الكاتيوشا.
وكانت واشنطن أكدت أكثر من مرة، أن تلك الفصائل المسلحة المدعومة من إيران تزعزع استقرار البلاد، وتقوض هيبة وسلطة الدولة المركزية، كما لها يد مباشرة باغتيال الناشطين والإعلاميين وأصحاب الرأي.
ما الذي تبقّى؟
ما يتبقى هو اعتبار إيران قوة كولونيالية تغزو المتاح لها من العالم، وخصوصًا في العالم الإسلامي، وليس مستبعدًا أن يضاف للجيوش الستة التي حكاها غلام رشيد، إطلاق جيش سابع في أفغانستان، ما يعني أن يصبح لإيران سبعة جيوش مضافة لجيشها الأم، بما يشكل في مجموعه ثمانية جيوش.
بعد هذا ما الذي ينتظره العالم من إيران؟
تلك هي حقيقة إملاء الفراغ:
ـ فراغ يحيط بخصوم إيران بمن فيهم الولايات المتحدة وقد تحولت الى الهامش في العالم ما بعد كانت المركز فيه، وفراغ يحيط الدول الإقليمية المضادة لإيران، و:
ـ حال يغيب القطط تلعب الفئران.