سد «إليسو» التركي وحرب المياه ضد سوريا والعراق

 هيئة التحرير (مرصد مينا) – كان من أهم التوقعات التي قالها الأمين العام السابق للأمم المتَّحدة، بطرس بطرس غالي، في الثمانينيات من القرن الماضي، أنَّ «نار الحرب القادمة في الشرق الأدنى لن تندلع بسبب السياسة، وإنَّما من أجل المياه»، هذا التوقع تم تبنيه بناء على الرؤية التي كانت تنذر بأن حالة نقص المياه ستسود في أكثر من ثمانين دولة في العالم، إلا أنَّ المرجح أن هذه الحالة سوف تتفاقم حتَّى العام 2025 بشكل مأساوي خاصة في دول الشرق الأدنى. ولعلّ هذا التوقع الذي تم إطلاقه قبل خمسون عاماً، يؤكد ما ذهب إليه تقرير حقوقي حديث مقدماً تحذيراته من أن تشغيل سد «إليسو» التركي، يحمل جملة مخاطر اقتصادية ومائية وثقافية، متهماً أنقرة التي شغلت أول توربينات السد قبل أيام، بتجاهل الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تحدد إنشاء المشروعات المائية.

البداية والأسباب

بدأت تركيا التخطيط لسد «إليسو» منذ عام 1930، وفي أواخر عام 2006 أيّ بعد 76 عاماً وضعت الحكومة التركية الحجر الأساس الذي لا يبعد سوى 50 كم عند الحدود العراقية، فيما عن الحدود السورية بنحو 45 كم، وأن تكلفة المشروع مليار و200 مليون دولار، وبطاقة تخزينية من المياه تقدر ب(40-11 ) مليار متر مكعب ، فيما تبلغ مساحة بحيرة السد 300 كم مربع، وطاقة المحطات الهيدرو كهربائية الملحقة بالسد 1200 ميكا واط، وبطاقة سنوية (3830 ) كيلو واط .

في الدراسة التي نشرها موقع «القنطرة» أكدت أن الاتفاقات التي عقدت بهذا الخصوص لم تكن منصفة وأعطتْ الحق لتركيا لاستغلال مياه الغير بشكلٍ مفرط أكثر من حاجتها، مما يعني خسارة العراق وسوريا مليارات الأمتار المكعبة من المياه، خاصة وأنّ تركيا تمتلك 91 سداً على نهري دجلة والفرات، والغريب في حالة إكمال السد، فإن أحد المتضررين أيضاً هو الشعب التركي ذاته، لأن التقارير الصحفية أكدت أنه سيعرض أكثر من 200 موقع اثري وتراثي ومدن تركية أخرى يسكنها الأكراد ولها قيمة تراثية عظيمة سيعرّضُها للغرق والتدمير، وعلى رأسها مدينة «حسن كيف» التراثية، والتي يعود زمنُها الى أكثر من عشرة آلاف سنة.

لكنّ تركيا استمرت في استغلال ما يفوق حاجتها المنطقية بكثير، على الرغم من توقيعها على المواثيق الدوليّةِ التي اتفقتْ عليها دول العالم، والتي تعتبر نظرية «الحق الطبيعي» التي تعتبر مبدأً تشريعياً دولياً نصّت عليهِ معظم الاتفاقات الدولية، والتي نصّت على أنّ «مجرى النهر ملك مشترك لا يجوز لدولةٍ حصرها لنفسها ومنع الشعوب المقيمة عليها في الاستفادة منهُ».

القضاء على تاريخ المنطقة وثقافاتها

بالعودة إلى التقرير الصادر عن مؤسسة «ماعت» للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، فإنه توصل لنتائج مهمة تحذّر من الآثار السلبية والمخاطر الجسيمة الناتجة عن بناء السد على دول الجوار، أيّ تأثيراته على سوريا والعراق، وبنسبة أقل إيران، وتناول التقرير القيمة التاريخية للمنطقة التي أقيم عليها السد، مشيراً إلى إنه بالإضافة إلى التأثيرات السلبية لهذا السد على التراث الثقافي والأثري في منطقة «حسن كيفا» التاريخية التركية، والتي «يعود تاريخها إلى 12 ألف عاماً، وتضم العديد من الآثار الأشورية والمسيحية والإسلامية التي تجعل من المنطقة ملتقى للعديد من الثقافات، سيؤثر أيضاً على منطقة الأهوار في العراق والتي تتعرض إلى الجفاف لتصبح صحراء نتيجة بناء هذا السد لأنه سيمنع تدفق المياه إليها، وهي المنطقة المدرجة في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو كونها تتمتع بتنوع بيولوجي وتاريخ متعدد للثقافات».

وتابع معدو التقرير الذي حمل عنوان «سد إليسو التركي… مخاطر اقتصادية ومائية وثقافية لدول الجوار»، تعداد الآثار الجانبية على العراق بالذات، مؤكدين أنه أضراراً جسيمة على الحياة البيئية هناك نتيجة بناءه، والمتمثلة في انخفاض منسوب المياه المتدفق إلى نهر دجلة، وهو ما يترتب عليه أزمة في تأمين المياه سواءً على مستوى الشرب أو الزراعة، بالإضافة إلى زيادة ظاهرة التصحر والتلوث النوعي للمياه، والتأثير على الصناعات العراقية بسبب انخفاض الطاقة المتولدة عن محطات توليد الطاقة الكهربائية التي تعتمد على المياه مع عدم توافر الظروف البيئة الملائمة لنمو الثروة السمكية مما سيؤدي إلي انخفاضها، الأمر الذي ينتج عنه اضرار اقتصادية ايضاً.

تجاهل متعمّد لسوريا والعراق

في تعليقه على نتائج الدراسة، استغرب رئيس مؤسسة «ماعت» التي أعدت التقرير، «أيمن عقيل» من تجاهل «السلطات التركية عند إقامة السد، ولم تقوم بالتشاور مع الدول المشتركة معها في حوض نهري دجلة والفرات مثل العراق وسوريا، بالرغم من وجود مجموعة من الضوابط القانونية والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تحكم عمليات إنشاء وتدشين السدود المائية، والتي من بينها ضرورة التنسيق والتعاون بين دول المصب ودول المنبع عند إقامة السدود».

وأوضح «عقيل» أن لسد «إليسو» التركي، آثار سلبية على هذه الدول، منها: «تقليل الواردات المائية لنهر دجلة بنحو 60%، أيّ خفض حصته من 20 مليار متر مكعب إلى 9 مليارات تقريباً، وأن هذا النقص سيحرم دولة العراق من ثلث أراضيه الصالحة للزراعة، وتحديداً في الشمال والوسط والجنوب، ليتحول من بلد منتج إلى مستورد للمحاصيل عوضاً عن الاكتفاء الذاتي؛ بالتالي، سيؤدي السد إلى تردي الأوضاع الاقتصادية المنهكة أساساً، وارتفاع نسبة البطالة…».

لا حلول في الأفق

وفق ما يجري على الأرض من نزاعات وتداخل في السنوات الأخيرة على المستوى الإقليمي، فإن ملف المياه ليس بأحسن حالٍ من ملف السياسة والحروب القائمة، وعدم الاستقرار واستمرار النزاع في سوريا، أو التدخل الإيراني المباشر في العراق، خير شاهد بأن ملف المياه مع تركيا شائك وغير قابل للحل، وبالتالي لن تقدم حلولاً في المدى المنظور لمصلحة البلدين الجارين، وعلى الرغم من أن نهري دجلة والفرات نهران دوليان، وينطبق الأمر كذلك على العديد من الروافد التي تقع منابعها في دول الجوار، وأن القانون الدولي يشكل اطاراً صالحاً لحل الخلافات بشأنها، لكن ما هو مخفي مختلف تماماً، عن ما هو ظاهر! وستبقى تركيا تهدد في حرب المياه كما سياستها في حرب الحدود.

Exit mobile version