سيكون لزيارة البابا فرنسيس المولود باسم خورخي ماريو بيرجوليو، وهو بابا الكنيسة الكاثوليكية بالترتيب السادس والستون بعد المائتين، سيكون لزيارته إلى العراق معنى أوسع من حدود الرقصات الفولكلورية التي استقبل بها، وربما تكون زيارته للسيستاني ماهو أبعد من (غزل الأديان) وتسامحها.
هذه الأهمية ترتبط بموقع السيستاني نفسه، فالرجل (السيستاني) تمكن وخلال ثلاثة عقود من قيادته لمساحة شيعية واسعة، لا أن يصبح المرجعية الدينية فحسب، بل السياسية أيضًا وسط فوضى العراق العارمة.
استقبل السيستاني اليوم، البابا فرانسيس، والسيستاني كما معهود عنه، قلما يظهر علناً ويقرأ ممثلون عنه خطبه.
تحمل زيارة البابا للسيستاني أهمية كبرى خصوصاً أن هالة السيستاني وتأثيره كبيران جداً. ومنذ 2003، كان وراء إرسال ملايين العراقيين إلى الشوارع وصناديق الاقتراع وحتى إلى القتال.
مرسين الشمري، وهي الباحثة في مركز بروكينغز للأبحاث، تعلق على شخصية السيستاني بالقول أنه “فيما يبتعد الكثير من الناس عن الدين في كل أنحاء العالم، حافظ السيستاني على سلطته المعنوية نفسها”.
وفي مرحلة ما بعد سقوط صدام حسين، ظلّ السيستاني يحظى باحترام ليس في أوساط الشيعة فقط، بل في أوساط السنة والأكراد وغالبيتهم أيضاً من السنة. ولطالما دعا السيستاني الشيعة إلى احترام الأقليات وحماية المسيحيين وكنائسهم.
وتقول الشمري “السيستاني ليس من دعاة الصمت لكنه أيضاً ليس ثورياً”، وغالبًا فإن ماتقولة الشمري بالغ الدقة.
ولد السيستاني في مشهد في إيران وتلقى تعليمه في قم قبل أن يستقر في العام 1952 في النجف حيث خلف في العام 1992 أبو القاسم الخوئي.
بعدما كان في الإقامة الجبرية خلال عهد صدام حسين، أصبح بعد سقوطه في الواجهة مع دعواته المتكررة إلى الاعتدال.
في العام 2004، دعا لتنظيم انتخابات ديمقراطية، ثم طلب من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر التخلي عن العمليات المسلحة ضد القوات الأميركية. وفي أسوأ مراحل الاقتتال الطائفي (2006-2007)، ذكّر بأنه محرّم على مسلم أن يقتل مسلماً آخر.
في العام 2014، حثّ العراقيين على مناهضة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف وإنشاء ما عرف لاحقاً بالحشد الشعبي.
لكن هذا الائتلاف الذي كان يفترض أن يضمّ مدنيين مستعدين لحمل السلاح، أصبح يضمّ بغالبيته مجموعات عسكرية موالية لإيران يتبع العديد من عناصرها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي، وليس السيستاني.
وطالب السيستاني مراراً خلال السنوات الماضية السياسيين العراقيين بوضع حد للفساد وسوء الإدارة.
في أواخر عام 2019، ومع اندلاع التظاهرات الاحتجاجية غير المسبوقة في بغداد والجنوب العراقي الشيعي بغالبيته، تخلى السيستاني عن دعمه لرئيس الوزراء حينها عادل عبد المهدي الذي استقال من منصبه لاحقاً.
بعد ذلك، ومع ظهور فيروس كورونا الذي منعت بسببه صلوات الجمعة التقليدية، التزم السيستاني الصمت. وبحكم موقعه، يحاول السيستاني أن يوازن بين السياسيين والمواطنين، لكنه ممزق أيضاً فيما يتعلق بعلاقته مع إيران، وطن ولادته وفي الوقت نفسه الجارة الكبرى التي تسعى إلى توسيع نفوذها في العراق.
ويقول الباحث حيدر الخوئي، الذي التقى السيستاني في منزله المتواضع في النجف “لم ينف قط أنه إيراني، لكن مع ذلك ومن نواحٍ عديدة، هو عراقي أكثر من المسؤولين العراقيين أنفسهم”.
في مقطع الفيديو الوحيد الذي يسمع فيه صوت السيستاني، يمكن سماعه يتكلم بالفارسية، ويقال إنه رفض مرتين منحه الجنسية العراقية. لكنه “حافظ دائماً على مسافة مع إيران التي لم يشأ قط الخضوع لإملاءاتها”، كما يقول الباحث كينيث كاتزمان من مركز خدمة الأبحاث في الكونغرس الأميركي.
وينتمي السيستاني الى المدرسة الفقهية الشيعية العراقية، وهو يناهض “ولاية الفقيه” التي يمثلها علي خامنئي في إيران وتقوم على إعطاء أولوية لرجال الدين على السياسيين المدنيين.
بالنسبة الى المدرسة الفقهية في النجف، على رجال الدين أن يكتفوا بتقديم المشورة دون التدخل بالشؤون العامة، وهو ما قد يجعل السيستاني متردداً في توقيع وثيقة “الأخوة الإنسانية” التي سبق أن وقعها البابا مع إمام الأزهر في أبو ظبي.
المؤكد أن أحداً “لن يحتل مكانةً السيستاني في الطائفة الشيعية “، والمؤكد أنه من المعترضين على سياسات الملالي في طهران، والمؤكد أيضًا أنه يكن احتقارًا عميقًا “للنهج الخميني” بل لشخص الخميني نفسه.
كل السيرة السابقة للسيستاني ليست هي بيت القصيد في زيارة البابا للسيستاني، بيت القصيد هو أن السيستاني يقف على طول الخط في الموقع المضاد للخمينية وسلطة الملالي في طهران.
ربما سيكون ذا هو السبب وراء زيارة البابا.
ربما هو السبب في التغطية الاعلامية الهائلة التي منحها إعلام الغرب للزيارة.
نزع صور قاسم سليماني كما صور أبو مهدي المهندس من على طريق زيارة البابا فرانسيس للمرجع الشيعي السيستاني في النجف تعني:
ـ فرانسيس مع السيستاني وبصوت واحد:
ـ إيران انقلعي من العراق.
يحكون عن الاحتقار العميق الذي يكنه السيستاني للخميني والخمينية.
“عليّ بن أبي ” ليس من كوادر الحرس الثوري الإيراني، هذا مايدركه السيد السيستاني.