
زاوية مينا
سلّموا سلاحكم.. لن يكون بالأمر الهيّن لدى حزب الله الله اللبناني، فحتى اللحظة ليس في الأفق سوى امتناع حزب الله عن تسليم هذا السلاح كليا، وهو ما سيُبقي علاقته بالدولة اللبنانية في حالة «التواطؤ غير المعلن» أو «الازدواجية الرسمية».. الدولة تعترف به ضمنيًا كقوة سياسية، بينما يتصرف هو كلاعب يتجاوز منطق الدولة ويملك قراره العسكري المستقل، بما في ذلك قرار الحرب والسلم.
هذه العلاقة، التي تُشبه التعايش القسري، تؤدي عمليًا إلى تقويض مفهوم السيادة وتهميش المؤسسات الأمنية الرسمية، مما يخلق دولة داخل الدولة، ويُربك أي مشروع إصلاحي أو سيادي.
قدرة الدولة اللبنانية على تنفيذ قرار نزع سلاح حزب الله شبه معدومة، لعدة أسباب:
ـ انقسام داخلي طائفي ومذهبي، يجعل من أي محاولة لمواجهة الحزب خطرًا على السلم الأهلي.
ـ ضعف مؤسسات الدولة، خصوصًا في ظل الانهيار الاقتصادي الشامل وغياب الإرادة السياسية الموحدة.
ـ الشرعية الشعبية الجزئية التي يتمتع بها الحزب، لا سيما في بيئته الشيعية، والتي تعتبره درعًا في وجه إسرائيل.
ـ القدرة العسكرية والتنظيمية الكبيرة للحزب، مقارنة بالجيش اللبناني، حيث يملك ترسانة صاروخية وتشكيلات مدرّبة على القتال غير النظامي.
إسرائيل تراقب تطورات الداخل اللبناني بحذر، وهي تدرك أن سلاح حزب الله يشكّل التهديد الأول لأمنها من الشمال، ففي حال بقي السلاح في قبضة الحزب، فإن إسرائيل ستواصل استراتيجية “الاحتواء الهجومي” عبر ضربات استباقية محدودة في سوريا لمنع نقل أسلحة نوعية أو تغيير قواعد الاشتباك، أما في حال بدأت الدولة اللبنانية فعليًا بنزع سلاح الحزب – وهو سيناريو بعيد – فإن إسرائيل قد:
ـ تراقب المشهد بهدوء، وترحب ضمنيًا بأي إضعاف لقدرات الحزب.
ـ تتدخل استخباراتيًا لتسريع تفكيك البنية العسكرية لحزب الله، إذا رأت أن المشروع ممكن، لكن إن شعرت بأن تفكيك الحزب يتم لصالح قوى أخرى موالية لإيران أو كجزء من إعادة تموضعه، فقد تقوم بعمل عسكري مفاجئ لتقويضه نهائيًا.
في هكذا حال لن تكون عودة الحرب حتمية، لكنها تبقى احتمالًا عاليًا في حالتين:
ـ إذا قررت إسرائيل استباقيًا ضرب حزب الله بشكل واسع، وصولاً لاقتلاعه كلياً، وصولاً للاقتلاع السياسي.
وهنا ثمة:
ـ ولكن.
ولكن إذا حصل تغير استراتيجي كبير كضرب منشآت إيرانية أو فشل المفاوضات الأمريكية الإيرانية، ما يدفع طهران إلى تفعيل أذرعها في المنطقة، فلابد ستتابع إسرائيل توجيه ضرباتها إلى حزب الله ولن تتوقف.
مايحدث حتى اللحظة، يمكن تسميته بـ”توازن الرعب” هو ما يمنع الانفجار، لكنه توازن هش وقابل للاهتزاز بسرعة، ونعني هنا ذاك التوازن مابين تل أبيب وطهران..
سلاح حزب الله أو المتبقي منه، ليس مجرد شأن لبناني، بل ورقة تفاوضية في يد طهران تستخدمها في علاقتها مع الغرب، ولذلك، فإن تخلي حزب الله عن سلاحه لن يتم دون تفاهم إقليمي – دولي شامل يشمل:
ضمان أمن إيران.. رفع العقوبات، والاعتراف بنفوذها في المنطقة.
وبدون ذلك، فإن طهران ستُبقي على سلاح الحزب وتدعم تموضعه كخط دفاع أول في أي مواجهة مقبلة.
وحين يذهب النظر نحو ما يستجد على العلاقات الأمريكية – الإيرانية، فهاهي وحتى اللحظة، تمرّ بحالة “اشتباك تفاوضي” منذ سنوات. سيناريوهاته:
ـ تفاهم مرحلي محدود، يشمل الملف النووي مقابل تخفيف عقوبات جزئية.
ـ جمود طويل الأمد، تواصل فيه إيران تطوير قدراتها وتبقي واشنطن على أدوات الضغط القصوى.
مواجهة غير مباشرة عبر ساحات الوكلاء في لبنان، العراق واليمن.
لا يبدو أن الطرفين في وارد التصعيد الشامل، ولكن أيضًا لا توجد ثقة كافية لإبرام صفقة شاملة على غرار اتفاق 2015.
وهنا سيكون لإسرائيل صوتها فاسرائيل ترفض أي تقارب أمريكي – إيراني لا يشمل تفكيك كامل للبرنامج النووي وتقييد النفوذ الإيراني في الإقليم. وقد عبّرت مرارًا عن امتعاضها من محاولات واشنطن تخفيف التوتر مع طهران، فمن وجهة النظر الإسرائيلية:
ـ إيران تظل التهديد الوجودي الأول.
وأي صفقة معها تُعد تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل، ما لم تكن مصحوبة بقيود صارمة. ولذلك، إسرائيل تضغط دائمًا على واشنطن عبر لوبيات الضغط، والإعلام، والتنسيق العسكري، لإفشال أي تقارب لا يخدم أجندتها الأمنية، أما عن مدى تأثيرات الدور الإسرائيلي فلابد أنها في الملاعب التالية:
تأثيرها يتم عبر الإعلام واللوبي الصهيوني، لكن في نهاية المطاف، القرار الأمريكي يُبنى على مصالح واشنطن الأوسع، وليس فقط على الضغوط الإسرائيلية.
لذا، قد تنجح إسرائيل في فرملة بعض المسارات أو تعديلها، لكنها لا تستطيع إلغاء التوجه الأمريكي نحو التهدئة إذا ارتأى صانع القرار الأمريكي أنها تخدم مصالحه العالمية.
القضية لا تتعلق فقط بسلاح حزب الله، بل ببنية النظام الإقليمي الجديد، ومحاور القوة المتشابكة، والعلاقة بين المركز (واشنطن وطهران) والهامش (بيروت، تل أبيب، دمشق، بغداد).
أي تغيير جوهري في وضع الحزب وسلاحه سيكون مرهونًا بتفاهم دولي واسع لا يبدو قريبًا، ما يجعل الجمود الحالي مرشحًا للاستمرار، مع هامش دائم لاحتمال الانفجار.