
صندوق المرصد
في لحظة سياسية مفصلية، يعود السؤال اللبناني المؤجَّل ليطفو على السطح من جديد، والسؤال: هل بوسع الحكومة اللبنانية سحب سلاح حزب الله؟
ما التداعيات المحتملة لهذا القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء اللبناني، في مشهد يبدو كمن يضع يده على جمر الداخل المشتعل وخطر الخارج المتربص؟
لعل أول ما يجب التساؤل عنه هل المسألة محض تقنية؟ بمعنى، هل يمكن نزع السلاح بقرار إداري أو قانوني؟ أعمق من ذلك بكثير، لأنها تمس بنية النظام السياسي، وتوازن القوى داخل لبنان، وامتداد الصراع الإقليمي على أرضه؟
حزب الله لا يرفض تسليم سلاحه من باب العناد أو الرغبة في التسلّط، بل من خلفية عقائدية وسياسية وأمنية منذ تأسيسه، لم يكن الحزب مجرد فصيل مسلح، بل مشروعًا يتجاوز حدود لبنان، متشابكًا مع محور إقليمي تقوده ايران وقد عزّز موقعه على الساحة اللبنانية بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000، ومن ثم خلال حرب تموز 2006، حيث اعتبر نفسه حامي السيادة، فيما كان يعتبر الجيش اللبناني محدود الإمكانيات ومقيد القرار.
القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء أمس، يبدو أقرب إلى المغامرة السياسية منه إلى الفعل السيادي المتكامل، فهو قرار يصطدم مباشرة بجدار الواقع، لا تملك الدولة القوة الكافية لمواجهة الحزب، ولا الإجماع الوطني الضروري لشرعنة المواجهة، ولا حتى القدرة على تحمّل ارتداداته.
الجيش، رغم ما يُقال عن تحيّده، لا يستطيع أن يزج بنفسه في معركة محسومة النتائج سلفًا، وقد يُستخدم كواجهة لصراع داخلي أو إقليمي، مما يهدد بتفككه أو تفجير حرب أهلية مقنّعة.
أما عن الشارع، فالحزب يملكه ويعرف كيف يحشده، وقد يلجأ إليه، لا بوصفه أداة فوضى، بل باعتباره ساحة لإظهار التوازن الحقيقي للقوة، فالحزب يدرك أن الشارع جزء من ميدانه، مثله مثل الجبهة أو البرلمان.
لكن، ماذا إن عجزت الحكومة اللبنانية عن تطبيق قرارها؟
إسرائيل تراقب الوضع، وتقرأ ما بين السطور، وقد ترى في ضعف الدولة اللبنانية فرصة لإعادة ترتيب قواعد الاشتباك مع حزب الله. لا أحد يريد حربًا شاملة، لكن خطأ في التقدير قد يشعلها، وإسرائيل ليست بعيدة عن خيار “الحرب الوقائية”، إذا شعرت أن سلاح الحزب يتضاعف أو يخرج عن السيطرة.
أما الحزب، فمخاوفه متعددة، فهو يعرف أن سلاحه هو ضمان بقائه، لا مجرد وسيلة للقتال، يعرف أن تفكيك ترسانته هو الخطوة الأولى لنزع مشروعيته، وربما استهدافه جسديًا وسياسيًا.
ما جرى من اغتيالات للصف الأول والثاني من قياداته، وصولًا إلى استهداف حسن نصر الله نفسه في أكثر من مناسبة، ليس مجرد وقائع أمنية، بل رسائل وجودية.
في النهاية، لسنا أمام مجرد سؤال لبناني داخلي، بل أمام معادلة إقليمية مُعقدة.
ـ السلاح أم الزوال، بين السيادة والمحور، بين الجيش والحزب، بين القرار اللبناني والاملاءات الخارجية، هل نزع السلاح سيؤدي إلى سلام، أم أنه سيكون فتيل حرب لاتبقي ولاتذر؟
والسؤال الأهم:
هل آن أوان الدولة، أم مازال الوقت ملكاً للمقاومة؟
الجواب ليس في مجلس الوزراء بل في العقل الجمعي للبنانيين.. كل اللبنانيين.