سنة التنبؤات القاتلة

زاوية مينا

سنة على إطلاق الحرب مع غزة، وسنة إلاّ يوم واحد مع لبنان، أما وقائع هذه السنة، فقد سجّل أيام كل من الحربين ما يمكن اعتباره الحرب الأقسى في القرن الواحد والعشرين.. قسوة طالت البشر وأنجزت الدمار، وأعلنت عن أمرين متلازمين:

ـ عبقرية السلاح، وتوحش مالكيه.

في السنة إياها، لم يتبق من غزة سوى بقية أنفاق، وبقايا شعارات طموحة.

وفيها أخذ جنوب لبنان طريق غزة تدميراً ونزوحاً وأرضاً محروقة وتهجير سكان.

في السنة إياها، ثبت أننا في زمن حروب الاستخبارات، ولو لم يكن الحال كذلك لما كان لجهاز البيجر وهو بحجم قبضة مضمومة أن يتحوّل إلى قوّة تدميرية هائلة أدمت حزب الله، ولولا حروب الاستخبارات لم طالت الاغتيالات الصف الأول وربما الصف الثاني من قيادات حزب الله وحتماً ليس اختتاماً بالأمين العام حسن نصر الله.

في السنة إياها، رفعت شوارع العواصم الكبرى كل الهتافات مندّدة بالتلموديات الإسرائيلية وقد وطّدت بنيامين نتنياهو ملكاً لدولة إسرائيل بعد عقود من اغتيال إسحاق رابين وكان الرجل قد اشتغل على حسن الجيرة مع الجار.

وفي السنة إياها لم تتردد إسرائيل في إرسال طائرات قتالية إلى مخيم طولكرم للاجئين في الضفة الغربية.

في السنة إياها اغتالت إسماعيل هنيه ضيف طهران ووقف العالم، كل العالم بانتظار رد إيران فكان الرد أهزل من الوعد، وها هو ذا العالم ينتظر الرد الإسرائيلي على الرد في متاهة التوقعات:

ـ هل يطال النووي الإيراني أم يكتفي بتكسير أواني الطعام.

وفي العام إياه كل شيء ممكن، كل شيء متاح.

ومعه أسئلة من طراز:

من سيقف ضد دولة إسرائيل؟

ولحظة رفع الأمين العام للأمم المتحدة بجلالة قدره صوته مندداً بإسرائيل باتت صفته:

ـ “الشخصية غير المرغوب فيها”، مثلما أعلن كاتس وزير الخارجية إسرائيل..

ومع “كاتس” ترتفع صوت رب البيت الإسرائيلي:

ـ لقد نزعنا القفازات. ها هي شدة إسرائيل، عضلات فولاذية.

مع إضافة:

أي حكم أو ضغط دولي لن يغير الرواية الإسرائيلية: القوة ومزيد من القوة حتى النصر المطلق.

ومن بعد ومن قبل، والموجة تجري ورا الموجة كارثة تجر كارثة أخرى لتتجذر الكراهية في منطقة ربما ستعيش إلى زمن سيطول تحت ما أطلق عليه أمل دنقل “لا تصالح”، ليحل الردع محل السلام، والقتل بديل الجيرة، وتغلق آمال رجال من طراز إسحاق رابين وياسر عرفات ومن قبلهما أنور السادات والثلاثة قضوا اغتيالاً مرة على يد ظلاميي الإسلام السياسي، وثانية على أيدي حكماء إسرائيل التلموديين.

هي سنة كاشفة، بما لا يقبل التلفيق:

ـ الولايات المتحدة صديقة حقيقية لإسرائيل، أثبتت التزامها بأمن إسرائيل في كل ساعة اختبار وضائقة شهدتها على مدى العقود الأخيرة.

ومع نشوب حرب “السيوف الحديدية ” تجندت واشنطن إلى جانب إسرائيل وقدمت لها، على الأقل في المراحل الأولى من المعركة، السلاح بلا قيود لتمنحها سوراً واقياً في الساحة الدولية فيما تشدد على حق وواجب إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

ـ فرنسا العاجزة سوى عن التمنيات بـ “وقف إطلاق النار”.

ـ إيران وقد سبق وأتقنت اللعب تحت الطاولة بما يعاكس أوراقها المعلنة فوق الطاولة.

أما عن اللبنانيين فقد تشققوا ما بين الميليشيا الحاضرة بقوة العقيدة والسلاح، والدولة التي لم يسبق أن كانت، لتكون اليوم تحت قرقعة السلاح.

هي السنة الفارقة عما قبلها بما لا يقل عن تلك السنة المسماة سنة “الأبراج” وبلغة أخرى ١١ سبتمبر وقد منحت الحجة الكفيلة بسقوط بغداد ومن بعدها مقايضة أمريكية بالغة الوقاحة مفادها مقايضة العراق بأفغانستان والرابح كان على الدوام ذاك الخميني المتغطّي بشعار:

ـ تحرير فلسطين.

هي سنة “الأبراج”، ولو لم تكن كذلك لما تسمّرنا أمام الشاشة ونحن نتابع نبوءات المتنبئة ليلى عبد اللطيف ومن قبلها المتنبئ اللبناني ميشال حايك.

يا للمصادفة العجيبة:

ـ لبنان العاجز عن إنتاج الدولة، لابد ينتج بغزارة كل هؤلاء المتنبئين.

Exit mobile version