ماقبل القراءة كان الاستخلاص، أما الاستخلاص فهو جارح، قاس، وبالغ القتامة، غير أن الجارح القاسي القاتم، قد يكون الحقيقة المتولدة من المعادلة الصفرية التي دخلت سوريا اليها، فاستمرت الحرب عقدًا من الزمن، ومن الصعب التنبؤ بالانتصار الشامل لأي من أمراء السلاح في البلد.
العملية السياسية متوقفة او رادة، او في الطريق الى مدافن بلاشواهد ولا قبور، ما يعني أن سوريا ستبقى ساحة حرب في المستقبل القريب فما من جهة تتمتع بالقوة الكافية لتحقيق انتصار شامل، دون نسيان أن نظام الأسد أفسد العملية الدبلوماسية.
في هذه البيئة الصفرية كان السؤال:
ـ من سيملك موارد سوريا (الغد)؟
خبيران في شؤون سوريا ناقشا الإجراءات الإنسانية والتجارية والأمنية في سوريا وكلاهما يتوقع أن تكون الموارد الاهم بيد من يمسك بشمال شرق البلاد ويمنع نظام الأسد من بسط نفوذه هناك، وقد وصفا نفوذه بـ (الضار).
في التفاصيل كان معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى قد عقد منتدى سياسي افتراضي مع الباحثين جينيفر كافاريلا وساشا غوش-سيمينوف، بالاضافة إلى كافاريلا وهي باحثة في شؤون الأمن القومي في “معهد دراسة الحرب” وفي “معهد الأمن القومي” بـ “جامعة جورج ميسون”.
ماهي خلاصة ما تقدم به هؤلاء الباحثين من استخلاصات؟
جينيفر كافاريلا، رأى بأن سوريا ستبقى ساحة حرب في المستقبل القريب لأن أي جهة لا تتمتع بالقوة الكافية لتحقيق انتصار شامل، ولأن نظام الأسد أفسد العملية الدبلوماسية. ونتيجةً لذلك، ليست هناك طريقة مباشرة لحل النزاع، مما يترك المنطقة في حالة عدم يقين كبيرة بشأن مستقبلها الاقتصادي.
وبالنسبة لواشنطن، فإن اختيار الشركاء الذين عليها التعاون معهم هو مسألة أساسية. وقد اقترح البعض نقل مسؤوليات معينة إلى روسيا، لكن القيام بذلك سيكون خطأ. وفق توصيت الباحث فموسكو موجودة في سوريا لممارسة نفوذها على حلف “الناتو”. وبالإضافة إلى إعاقة الاستقرار، ساعد وجودها إلى استيلاء نظام الأسد على المساعدات المتجهة نحو شمال شرق البلاد.
جينيفر كافاريلا، رأى أن ما يقرب من 900 عسكري أمريكي في سوريا حققوا إنجازات رائعة في الأراضي التي يعملون فيها، من بينها الضغط المستمر على فلول تنظيم “الدولة الإسلامية” في الشرق. في المقابل، شهدت المناطق الخاضعة للروس عودة ظهور “داعش” بشكل أسوأ بكثير. ومع ذلك، فإن حملة الاغتيالات المنخفضة المستوى التي يقودها التنظيم تتسبب بتوترات اجتماعية وتدهور الحوكمة في الأراضي الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” التي يقودها الأكراد، وربما يجعل من الصعب الدفاع عن المركز العسكري الأمريكي على المدى الطويل.
حين يأتي الكلام عن قوات سوريا الديمقراطية التي تدير هذه المنطقة يقول كافاريلا “لديها التزام حقيقي تجاه المجتمعات العربية في محافظة دير الزور، وتحالفها قادر على الصمود على المدى الطويل، على الأقل من بعض النواحي. ومع ذلك، فإن الدعم الأمريكي والدولي أمر بالغ الأهمية، وإلا فلن تستطيع قوات سوريا الديمقراطية إحراز تقدم كبير. وبشكل خاص، يجب توافر المزيد من الوجود المدني الأمريكي وليس فقط العسكري.”
سيتابع كافاريلا “لقد أرادت إدارة ترامب الانسحاب فوراً من شمال شرق سوريا، لكنّ تداعيات ذلك كان يُتوقع أن تكون خطيرة. فإذا استولى تنظيم «الدولة الإسلامية» على أراض مجدداً، فسيصبح الوضع أكثر تأزماً من المرة السابقة. كان يتعيّن على الولايات المتحدة أن تستقي العِبر من الانسحاب مبكراً جداً نظراً لما حدث في أعقاب خروجها من العراق عام 2011، ولكن يبدو أنّها تكرر هذا الخطأ في أفغانستان وربما مجدداً في سوريا”.
ساشا غوش-سيمينوف، يلتفت الى الاقتصاد، ويقول بأن الوضع الاقتصادي في أراضي “قوات سوريا الديمقراطية” يتباين” فقد تم تحرير بعض المناطق قبل غيرها بفترة طويلة، مما أدى إلى انتعاش متدرج. بالإضافة إلى ذلك، تسببت الحرب بتراجع كبير في الروابط التقليدية بين المراكز الاقتصادية المحلية. فالتجارة عبر النهر كانت مزدهرة في دير الزور، لكنها الآن في حدها الأدنى. وبدلاً من ذلك، تم إعادة توجيه هذا النشاط نحو إقليم كردستان العراق، مما أرغم “قوات سوريا الديمقراطية”على التعامل مع آليات اقتصادية جديدة وسط معالجة المشاكل الأمنية في الوقت نفسه.
على سبيل المثال، تميل الطرق المتاحة للتجارة إلى المرور عبر مناطق ريفية ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يمكن لتنظيم “الدولة الإسلامية” وقوات نظام الأسد استغلال المسافرين. وغالباً ما يؤدي هذا التدخل إلى إعاقة تقديم الخدمات، مما يؤدي بدوره إلى حالة استياء. فضلاً عن ذلك، وبينما تركّز الولايات المتحدة على دير الزور، يركّز القطاع الإنساني على محافظة الحسكة، الأمر الذي يسلّط الضوء على الفجوات وغياب التنسيق بين الجهات المانحة الدولية.
“الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” وفق ساشا غوش-سيمينوف شهدت تغييرات هيكلية جذرية، حيث انتقلت من الكانتونات لتصبح تنظيماً على غرار المحافظات. ودأبت السلطات على دمج الأراضي بشكل انتقائي، مستندةً في قراراتها إلى ظروف مختلفة. وقد نشأ نسيج ترابطي مهم بين الرقة وكوباني والحسكة، لكن حلول الوسط السياسية أدت إلى مزيد من الاستقلال الذاتي لدير الزور.
بعبارة أخرى، إن الإجراءات البيروقراطية معقدة، وإنجاز العمل يتطلب التحدث مع فئات مختلفة من الناس. لكن كل محافظة تملك شيئاً يريده الآخرون، لذلك لا يمكن لأي منها العمل بمفردها. فالحسكة تملك القمح، لكنها تفتقر إلى المياه لأن نهر الخابور جاف أو غير صالح للاستعمال. أما دير الزور، فتوجد فيها المياه والنفط، لذا كانت الحسكة تضخ منها مياه الري. وبالنسبة للرقة، فهي مركز تجاري رئيسي.
بالتالي، تُعتبر التجارة عبر الحدود شريان الحياة الرئيسي. فـ “إقليم كردستان العراق” تجمعه روابط اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية مهمة مع شمال شرق سوريا – وستبقى المنطقتان مترابطتين دائماً في السراء والضراء. وتُعد المساعدات العابرة للحدود مهمة، ولكن الوضع شبه المستقل الذي يتمتع به “إقليم كردستان” لا يوفر الظروف الأفضل لمثل هذه المساعدة من وجهة نظر قانونية. وإذا أرادت الحكومة الاتحادية العراقية الانخراط في ذلك، سيتعيّن عليها إعادة فتح معبر اليعربية.
خلاصة ماتوصل اليه الرجلان، أنه ومن أجل تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار على نطاق أوسع، من الضروري توفير الحماية للقوات الأمريكية. لذلك تتمتع واشنطن بميزة التحكم بتوقيت هذه العملية. على سبيل المثال، إذا التزمت بإبقاء قواتها العسكرية في المنطقة لمدة خمس سنوات، فحينئذٍ ستضطر كافة الجهات الفاعلة إلى العمل ضمن هذه الحسابات – وقد تلتزم بعضها باستثمارات ملموسة رداً على ذلك. وبالمثل، يمكن للوكالات الأمريكية الالتزام داخلياً بأنواع محددة من البرامج تمتد على مدى خمس سنوات.
القراءة الانطباعية لهذه الآراء تقول بما لايقبل الشك، البلد ما بعد التقسيم الناتج عن الأمر الواقع، سيتحول الى التقسيم القانوني، ما يعني أن سوريا بانتظار خريطة جديدة.
ـ خريطة من هو الرابح فيها؟
إذا كان البحر للروس، وريف دمشق للإيرانيين، ما الذي يتبقى لبشار الأسد من البلد؟
ـ يتبقى ذلك الشعار الذي لاينسى:
أو .. نحرق البلد.
احترقت وانتهى الأمر.