سوريا الصغيرة للرئيس الصغير

مرصد مينا

الأب دكتاتور، هو الامر كذلك، ولكن ما الذي تبقّى للابن سوى لقب:

ـ وريث الدكتاتور؟

ولا شيء، فمن يستطلع تاريخ الراحل حافظ الأسد، لابد وأن يرى بالعين المجرّدة، التاريخ الدموي لهذا الرجل، غير أن تاريخه الدموي سار بالموازاة مع تأهيل نفسه والبلد لنظام دكتاتوري لرئيسه حضور دولي وازن، ربما كان تعبيره الأشد وضوحاً في “مثانة” وارين كريستوفر، وقد لعب به الأسد الراحل حتى باتت اجتماعاتهما تمثل إنهاكاً كبيراً لوزير الخارجية الأمريكي وقد رأى مع سواه من المبعوثين الدوليين إلى سوريا، أن الأسد “رقم صعب”، وهذا الرقم الصعب كان واضحاً في مؤتمر مدريد للسلام، بحيث امتلأت قبضة حافظ الأسد بالوفود المفاوضة حتى كان “المرجع الوحيد” والذي ستسير المفاوضات بناء على هزّة من رأسه، هذا عن السلام أمّا عن الحرب فلابد من الاعتراف بأن سوريا لم تكن في عهده تلك الساحة المفتوحة والمستهان بها من العدو ومن الحليف، فلا الحليف الروسي قلل من شأن حليفه ولا الإيراني فعل ذلك، وبالنتيجة كان لسوريا دكتاتوراً، يملأ مقعده في جامعة الدول العربية وسط زعامات عربية أصغرها لا يستهان بقوّته بدءاً من صدّام حسين وصولاً للملك فهد وما بينهما.

كان الرجل :

ـ دكتاتوراً.

دكتاتوراً يملأ ثيابه كما يقول المثل الشامي، وهو الدكتاتور الذي طالما كرهته “الشام” دون أن يتجرأ أحد على السخرية منه، ما يعني أنه موضوع للكراهية وليس مادة للسخرية، ومن ثم جاء وريثه ليكون:

ـ ثانوياً بين الحلفاء، ومنسياً من الأعداء، وبالوسع تذكّر ذلك المشهد الذي يمسك بكتفه واحد من حمايات بوتين ليزيحه عن الصورة والمصوّر، كما بالوسع تذكّر أن حسن نصر الله بات الناطق باسم سوريا والسياسات السورية، فيما لم يتبق لبشار الأسد ما يزيد عن جمع حفنة من موظفيه ليحاضر بهم، فإذا ما ارتفع سقفه، يساق إلى مؤتمر القمّة العربية / الإسلامية في الرياض، ليكون في المقعد السوري، وليحوّل بحضوره المقعد السوري إلى “مقعد شاغر”، بما جعل حضوره لزوم مالايلزم، وقد صغّر موقع بلده حتى تراجعت مكانة سوريا إلى ما هو اقل من مكانة ميليشيا من طراز الحشد الشعبي، أو الحوثي، أما عن حزب الله فلابد أن نظام الأسد لم يعد يمثل بالنسبة إليها سوى “كاراج” لقيادات الحزب ومرافقيهم، ما جعل سوريا:

ـ صغيرة وصغيرة وصغيرة.

صغيرة إلى الحد الذي لم يعد لها مكان لا في همسات السلام ولا في صرخات الحرب، وهو الحال الذي لم يسبق لسوريا أن واجهته عبر تاريخها الطويل حتى وهي في ظل استعمارين “العثماني والفرنسي”، وكانت قد أنتجت في ظلهما شخصيات تاريخية ما زالت موضع احترام السوريين والعرب، بل والامّة الإسلامية، وهكذا حوّل بشار الأسد سوريا إلى:

ـ هامش في الحرب وهامش في السلام.

أما عن حاله في الداخل، فلابد أنه بات المادة الأكثر قابلية للسخرية وإطلاق النكات ولو كان بالوسع إحصاء حجم النكات التي أطلقت على شخصه لقلنا أن:

ـ إنجازه اليتيم أنه حوّل السوريين إلى مبتكري النكتة.. النكتة الملتصقة بشخصه.. المستخفة به.

سوريا باتت صغيرة على الخارطة العربية والدولية، لا لأنها باتت مقسّمة فحسب، بل لأن لها “حاكم” على هذا النحو من الخفّة وانعدام الاحترام للنفس، ومؤتمر جدة ببعديه العربي والإسلامي قدّم الصورة الجدّية لهذا الرئيس المهزلة:

ـ مقعد يقعد على مقعد.

هذا حال سوريا اليوم.

سوريا الصغيرة الصغيرة الصغيرة، لرئيس صغير صغير صغير.

Exit mobile version