بسهولة ينحدر الكلام إلى مستوى:
ـ عُد إلى أصلك.
ثم يستغرقون في السلالات، وكأنما يتفحصّون الـ DNA العرقي الذي انحدرت منه، مع أنه (التاريخ) يقول كلمة أخرى، ربما يختصرها مايلي:
هتلر ولد في النمسا، ستالين ولد في جورجيا، أتاتورك في اليونان، وإيمون دو فاليرا، الرجل الذي جاء بالاستقلال لآيرلندا الحديثة، ولد في نيويورك على بعد ثلاثة آلاف ميل من دبلن. وفوق ذلك، لم يكن دو فاليرا آيرلندي الأب، بل كان والده مهاجراً إسبانياً من كوبا، وكانت أمه مهاجرة آيرلندية فقيرة. أما مارتن لوثر كينغ فهو افريقي الأصل وكذلك أوباما.
اكثر من هذا وذاك محمد ابن الجزيرة العربية.. من يجرؤ أن لايقول:
ـ محمد مواطننا؟
ويدور الحوار ما بين متراشقين بالأصول، وتحديدًا في المشهد السوري اليوم، أي في بلاد تاريخها مرتبط بتاريخ القوافل، حيث تضع القافلة ثقافتها إلى جانب بضاعتها، ففي (الخانات)، وبعد إقامة قد لاتطول تتحول الخانات إلى منازل، ومع المنازل تكون الزيجات ويكون معها تعدد الأعراق وتعدد القوميات وتعدد المذاهب والديانات بما يجعلها بلادًا قريبة من (الكوسموبوليت)، او اقلها بلاد متعددة، وقد يكون تعددها هو المكسب الذي يتحوّل إلى لعنة حين يرتفع صوت الشوفينية القومية، أو الإنغلاق المذهبي، او لغة:
ـ أنا الأفضل.
ولن تكون المسألة عارضة، فهي مرتبطة بما ستكون عليه البلاد لاحقًا، بعد أن تعمّقت فيها لغة الطوائف فيما مضى حتى باتت الطائفة هي الملجأ والحصن، وهي السجن والزنزانة، وهي السارق لأبنائها، في فوضى انظمة استثمرت الطائفة وباعتها واشترت فيها، حتى كانت البضاعة الأكثر ربحًا في سوق مفلسة ينهار سكّانها تحت وطأة الميليشيا، والفساد، واللصوصية والسرقة، باستثمار متصل لم ينقطع منذ أن استولى العسكر على السلطة كبديل عن ملوك (المشمش)، وتعالوا نسترجع تاريخ البلد بسطرين يكفيان للتدليل إلى ماوصلت اليه الحال:
ـ شكري القوتلي كان ملك المشمش، وحين كان، كانت سوريا تصدّر 64 جريدة ومجلة ما بين يومي وصباحي ومسائي.
ـ كانت دمشق ووفق تقرير لمنظمة اليونسكو أنظف مدينة في العالم المسكون.
وكانت محاصيل أصفر ونجار من القمح القاسي كافية لإطعام العالم الثالث قمحًا.
ووصل العسكر، فماذا كانت النتيجة.
حلول الطائفة مكان الوطن.
وهاهو الوطن.
يكفي صورة فوتوغرافية واحدة تلتقط من حوّامة لتحكي:
ـ حال الوطن.