قالوا كلمتهم من جديد: “الشعب يريد إسقاط النظام”، صدحت حناجرهم بالحرية للوطن قبل المواطن، نددوا بخطف الدولة وإغراقها في مستنقع التحالفات الإقليمية، التي ربما كانت أكثر ضرراً على مصالح لبنان، حتى من الحرب الأهلية التي لا زال الكثير منهم يذكر أيامها وأحداثها التي جرت في الماضي غير البعيد.
هي الثورة اللبنانية، التي يبدو أن حزب الله ممثلاً بأمينه العام “حسن نصر الله” ومواليه في باقي الأحزاب الأخرى، لم يدركوا بعد أنها حراك يصعب عليهم امتطاؤه أو ركوب موجته، حتى وإن أيقنوا أن لا حرس ثوري ولا إيران ولا حتى نظام الأسد في دمشق قادر على وقفه أو قمعه، لا سيما وأن المظاهرات جاءت بديهية وعفوية دون تنظيمٍ حزبي أو مرجعي، تلك المظاهرات التي قدر لها أن تجعل لبنان يتنفس رياح الربيع العربي، بعد أن امتلأت رئتاه بدخان ولاية الفقيه الأسود.
ساسة في فلك الثورة وانتفاضة على مبدأ المحاصصة
ما وصفت به مظاهرات لبنان بأنها أكثر من مجرد احتجاجات وأنها أقرب إلى ثورة شبيهة بالتي أطاحت بالوجود العسكري ونظام الوصاية السوري عام 2005، ربما أنه كان الشرارة التي دفعت وشجعت الكثير من السياسيين المعارضين لحزب الله للانضمام سريعا إلى ركبها واتخاذ إجراءات حاسمة تجاه الأوضاع السائدة، وفي مقدمتهم رئيس حزب القوات اللبنانية “سمير جعجع” الذي أعلن استقالة وزارء حزبه من الحكومة، مطالباً بتشكيل أخرى مؤلفة من التكنوقراط، الأمر الذي يعتبر أولى خطوات تخليص لبنان من مبدأ المحاصصة الطائفية والاتجاه نحو حكومة الكفاءات.
“جعجع” وفي تصريحات صحافية، برر موقفه من الحكومة بفقدانه الثقة بقدرتها على تقديم أي حلولٍ عملية للأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان، وحتى القدرة على التصدي لتراجع مستوى المعيشة، دون ان يغفل ذكر الدور السياسي لموقفه المعلن عنه.
موقف الأحزاب المعارضة لحزب الله ومن لف لفه، والداعمة للمظاهرات لم تقتصر على القوات اللبنانية، وإنما شملت أيضا حزب الكتائب، حيث أظهر النائب عن الحزب في مجلس النواب “سامي
الجميل” تأييد حزبه الكامل للمظاهرات والمطالبات الشعبية، متحدياً كل من يعارض إرادة الشعب بمحاولة الوقوف في وجهه.
وكتب “الجميل” الذي يتهم حزب الله باغتيال والده، السياسي والنائب السابق “بيار الجميل”؛ على تويتر: “من أول نهار بدأت نضالي بقولولي ما تراهن عالناس فوت باللعبة، بعد كل هالسنين صار فيي جاوب؛ لا أحد يمكنه الوقوف بوجه تطور الشعوب واليوم الشعب اللبناني بكل طوائفه يقلب الطاولة على التبعية والتجارة بالسياسة كم أنا فخور أني لبناني”.
كما لم يتأخر الزعيم الدرزي “وليد جنبلاط” عن تأييد الحراك الشعبي اللبناني، على الرغم من إشارته إلى عدم وجود رغبة لدى الحزب الاشتراكي الذي يتزعمه نجله “تيمور” بالانسحاب من الحكومة، حيث غرد على تويتر: “لم أطلب من وزراء الحزب الاستقالة ونحن نقرر ولست في وارد أي سفر الى أي مكان”.
زعران أمل وشقيعة حزب الله السياسيون
على الرغم من محاولة ثنائي النفوذ الإيراني في لبنان “أمل” و”حزب الله” ركوب الموجة ومحاولة قيادة دفتها باتجاه التركيز على المطالب الاقتصادية، بعد فشلهم في قمعها عسكرياً، إلا أن مقاطع الفيديو الواردة من لبنان وتحديداً من المناطق الجنوبية؛ التي تعتبر معقلاً أساسياً للحزبين؛ أشارت إلى أن تلك المحاولات أيضاً فشلت، خاصةً مع مهاجمة المحتجين لمكاتب نواب حركة أمل وحزب الله في مدينة صور، ومناطق مختلفة من لبنان، والتي أظهرت البعد السياسي الفعلي للحراك اللبناني، مشيرةً إلى أن ما ذكره الأمين العام لحزب الله أمس السبت، في خطابه المتلفز عن ربط المظاهرات بالفشل الاقتصادي الحكومي، ما كان إلا محاولةً للهرب من المسؤولية أو مواجهة الشارع المنتفض، على حد وصف بعض المعلقين اللبنانيين على مواقع التواصل الاجتماعي.
أمام هذا الحال وهذا الفشل، يبدو أن الحزب قرر التوجه للخطة “ب” في مواجهة الحراك الشعبي، بالإيعاز لماكينته السياسية التي تشكلها مجموعة من الشخصيات السياسية المنتمية لعدة طوائف بالعمل على محاولة ركوب الموجة بدلاً من سياسيي حزب الله، ليظهر هنا اسم السياسي “وئام وهاب” الذي يعتبر وأحد من أكثر الساسة الدروز قرباً من حزب الله وإيران والنظام السوري على الساحة اللبنانية، وأحد الأذرع السياسية الناطقة باسم الحزب.
“وهاب” وفي تغريدة له على تويتر، أشار إلى أنه كان من بين السياسيين اللبنانيين الذين حذروا من فساد السلطة الحاكمة، وسوء إدارتها للملف الاقتصادي طيلة السنوات الماضية، وذلك تكراراً طبق الأصل عمّا جاء في خطاب “نصر الله الأخير”، متناسياً أيضاً أن سياسيي الحزب، وهو أيضاً بشكل شخصي كانوا من بين أضلاع السلطة التي وصفوها بالفساد، وأساس الدولة العميقة الحاكمة فعلياً في لبنان.
إلى جانب “وهاب”، ظهر مدير الأمن العام اللبناني السابق “جميل السيد” الذي كان واحداً من الضباط الخمسة المتهمين بالضلوع في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق “رفيق الحريري”؛ حيث أشار في تغريدته إلى أن تلقى دعوات عديدة للنزول إلى الشارع مع المتظاهرين، في موقفٍ وصفه معلقون لبنانيون بأنه محاولة استعراض سياسي لإظهار العمق الشعبي للحزب ومواليه، يتحدونه أن يتخذ مثل تلك الخطوة، ويتوعدونه بالطرد المذل من المظاهرات والاحتجاجات.
وأضاف اللواء “السيد” أحد أركان نظام الوصاية السورية السابقة على لبنان؛ في تغريدة على تويتر: “كثيرون من المحبيّن طلبوني للشارع، نزولنا للشارع سيفسّر اليوم أنّه وجاهة واصطياد شعبي،وكنت أوّل من رفع الصوت باسمكم ضد عصابة الفساد بالدولة، لكنهم كابروا، اليوم إنتفاضتكم الوطنية أرعبتهم وهزّت عرشهم، الشارع اليوم يجب أن يكون فقط لصوت الشعب وأقدامه، وبعده كلّنا معاً، جايي الوقت..”.
تغريدة “السيد” لاقت أيضاً الكثير من ردود الأفعال لدى المعلقين والناشطين اللبنانيين، بينهم من ذكره بدوره الأمني إبان وجود قوات النظام السوري في لبنان، فيما وصفه آخرون بـ”شقيع” حزب الله السياسي.
على الجانب الآخر من المعادلة الإيرانية في لبنان، اختارت حركة أمل التابعة لرئيس مجلس النواب اللبناني “نبيه بري” اللجوء إلى الاعتداء على المتظاهرين ودس مجموعات من كوادرها داخل المظاهرات، في تكرارٍ لسيناريو تعامل الحليف السوري مع المظاهرات التي خرجت إبان الثورة السورية ضد النظام عام 2011.
ناشطون ومتظاهرون في مدينة صور، أكدوا أنهم تعرضوا للاعتداء من قبل عناصر تابعة لحركة “أمل” بعد أن كانوا مشاركين في المظاهرات هاتفين ضد الحزب والحركة، مضيفين: “كانوا معنا في المظاهرة وعندما اقتربنا من مقرات حركة أمل في صور انقلبوا علينا وبدؤوا ضربنا بوحشية أمام أعين عناصر الامن التي رفضت التدخل”.
كما وثق الناشطون لحظة الاعتداء عليهم بمقاطع فيديو بثوها على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين بتوفير الحماية الكاملة لهم أثناء الاحتجاجات.
إعلاميون ومشاهير يقتحمون المشهد
وكحال مثيلاتها من المظاهرات في الدول العربية، ألقت الاحتجاجات اللبنانية بظلالها على الساحة الإعلامية والفنية، بعد أن أعلن العديد من الشخصيات الإعلامية ومشاهير الفن دعمهم ومشاركتهم في المظاهرات، مطالبين الشعب بمواصلة حراكه المحق والشرعي، على حد قولهم.
الإعلامية “نجوى قاسم” كانت من بين الداعمين للحراك، فغردت على تويتر: “سؤال بريء: مئات الآلاف في شوارع كافة الساحات الليلة ومنذ ساعات والقوى الامنية غير حاضرة، لماذا لم يحصل شغب ولا تكسير ولا اعتداءات؟”.
كما غرد الإعلامي “نديم قطيش”: “أهم ما في استقالة جعجع أنه أهمل تهديدات نصرالله، وليد بك نحن بانتظارك”.
في حين كتب الإعلامي “علي جابر”: “واجب الإعلام اللبناني و العربي مواكبة هذا الحراك اللبناني الفريد لا بل حمايته من سلطة جائرة و فاقدة الشرعية الشباب اللبناني انتفض و انتفاضته جميلة و نبيلة وواجبنا أن نبقى جانبه و أن نشجعه و نحميه”.
أما على مستوى مشاهير الفن فقد نشر عدد من الممثلين اللبنانيين صوراً لهم ثناء مشاركتهم في المظاهرات، ومن بينهم الفنان “عبده شاهين”، الذي أظهرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي قيادته لبعض المظاهرات، في حين نشرت الفنانة اللبنانية “نادين الراسي” صوراً لها أثناء إشعالها لأحد الإطارات المطاطية في واحدة من المظاهرات.
سوريا ولبنان ثورة في بلدين
آثار الثورة اللبنانية وامتدادتها لم تنحصر فقط عند الحدود الجغرافية للبلاد، وإنما تعدتها إلى حدود الجارة سوريا التي تشهد منذ ثمان سنوات ثورة على حليف حزب الله وأمل وإيران “نظام بشار الأسد”، ما دفع الكثير من المعارضين والناشطين السوريين للتفاعل مع المظاهرات اللبنانية واعتبارها امتداداً للثورة السورية في عمقها السياسي والعربي.
المعارض السوري “كمال اللبواني” كان أحد الرابطين بين أحداث سوريا ولبنان، حيث علق على المظاهرات اللبنانية: “فرنسا صنعت لبنان الكبير بتوسيع متصرفية جبل لبنان ، لخلق دولة مسيحية عربية تابعة روحيا واقتصاديا لها ، اليوم لبنان قد أصبح دولة شيعية تابعة لإيران ومعادي للعرب والغرب، بعد سياسة تهجير المسيحيين منه الذين تحولوا من أغلبية مطلقة لأقل من أقلية سياسيا وعسكريا، استمر لبنان كدولة ميليشيات وطوائف ٢٥ سنة تحت احتلال فرنسا ، و٢٥ سنة أخرى تحت احتلال سوريا ، و١٥ سنة تحت احتلال إيران وما يزال”.
وأضاف اللبواني في تغريدته: “يستطيع الشعب اللبناني تدمير لبنان ، لكنه لا يستطيع التخلص من العبودية لحزب الله ، من دون تدخل عسكري أجنبي ، وهذا شبه مستحيل عمليا، لبنان لم يكن يوما دولة حقيقية متكاملة وموحدة ، بل كذبة جغرافية وخطأ تاريخي ارتكبه الاستعمار الفرنسي، لذلك على الإخوة اللبنانيين انتظار الشعب السوري لإنقاذهم بعد أن يحرر سوريا”.
وفي سياق عرضه للحل في لبنان؛ أردف “اللبواني”: “الحل الوحيد الممكن هو عودة الأمور لما كانت عليه قبل دخول فرنسا ولعبها بخريطة الشرق الأوسط، من توهم من اللبنانيين أن خراب سوريا وتشريد شعبها سيعود بالخير على لبنان وأهله كان يحفر قبر لبنان بيديه، من سكت عن القمع والإجرام في سوريا سيشرب من ذات الكأس في لبنان، من تعمد إذلال وإهانة اللاجئىن السوريين سيصبح هو لاجئا ذليلا في دول أخرى، نحن السابقون وأنتم اللاحقون، وسوا ربينا”.
مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي