ترتفع أصوات لبنانيين تنديدًا بصوت سفيرة الولايات المتحدة في لبنان، ثم يعتبرونها تخطت حدود وظيفتها الدبلوماسية إلى التدخل في الصيغة اللبنانية كما لو كانت طرفًا فيها.
يصلح هذا الكلام في بلد السفارة فيه مجرد سفارة تمنح تأشيرة دخول أو ترعى مصالح مواطنيها.. نعم يصلح هذا في صيغة:
ـ الدولة المستقلة لا بعلَمها ونشيدها، بل بسياسييها واقتصادها وسلاحها وخيارات أبنائها.
لن يصح هذا على لبنان.. لماذا؟
لأنه اكثر البلدان ادمانًا على السفراء والسفيرات، بل اكثر أدمانًا على ما هو أقل شأنًا في المرتبة والصلاحية من سفير وسفيرة، وأصحاب الذاكرة يعرفون جيدًا أن حدود رستم غزالة في لبنان تجاوزت مستودعات عنجر لتصريف البشر، إلى غرف نوم ساسة لبنانيين يفضلون استشارة سيادة اللواء بألوان شراشف غرف نومهم، والحال أنه لم يكن هذا حال رستم غزالة وحده هذا الحال،فللسفير الفرنسي ماله من صولات وجولات وللبريطاني كذلك، أما سفير إيران فهو “القائد الأعلى” والأخ الأكبر، وحقائبه لاتخضع للتفتيش في مطار بيروت حتى لوكانت محملة برؤوس نووية أو برؤس بشر اغتالهم في الطريق، ومازال الحال كذلك، بل ارتفعت حدته وشدته، ولا نظن أن ثمة من يرف له جفن إذا ما قام سعادته بتعيين حراس الاحراش أو تعيين حراقها.
المبدأ أنه لايجوز لسفير التدخل بشأن داخلي لبلد استضافه، وفي المبدأ فالسفيرة وقحة وصلفة وتتجاوز صلاحياتها، ولكن المبدأ يتآكل حين يكون مبدأً في مكان، ولا مبادئ في الأماكن الأخرى، ولبنان هو هذه الصيغة:
ـ محسوبكم غير محسوبنا.
ولهذا فقد بات البلد بلدان او لنقل بلدانًا، يتعدد بقدر تعداد محاسيب السفارات فيه، وبقدر ما تمنحه السفارات من نعمة لهذا الطرف ونقمة للطرف الآخر، وهو ما يسقط المبادئ كل المبادئ، ويجعل التلويح فيها مجرد حركات أصابع في الهواء.
مسكينة ووقحة السفيرة الأمريكية.. ومسكين ووقح سفير ايران.
وحده مسكين بلا وقح سفير موريتانيا، لأنه بلا محاسيب في لبنان.