المواطن الكوري من بيونغ بانغ قال إن “الجميع بدأ بالبكاء”.
ـ لماذا بكى الكورويون الشماليون؟
لأن القناة التلفزيونية الرئيسية في البلاد بثت مقطع فيديو يبدو فيه الزعيم “كيم” أقل وزنا مما كان عليه في السنوات الأخيرة.
إنها صحة الرئيس، فإذا ما أصيب الرئيس بالزكام ستصاب البلاد بالزكام، وإذا ما أصابه الاسهال أصيبت البلاد كل البلاد بالإسهال، أما إذا ما أصيب بفقدان الذاكرة فلاشك بأن الأمّة ستفقد ذاكرتها.
في تفاصيل الخبر، وقد تجاوز وقعه كل ماكتبه جوروج أورويل عن ويلات الزعيم، فقد “أظهرت التحليلات التي قام بها موقع كوريا الشمالية الإخباري أن حزام ساعته اليدوية الفاخرة والثمينة كان مشدوداً أكثر مما كان عليه الحال في مناسبات سابقة، مما يوحي بأنه يخسر من وزنه”.
ولكن اطمئنوا:
ـ لقد قام الرئيس بإنزال وزنه من تلقاء نفسه. دون نسيان أن الرجل (ربما الوحيد) في كوريا الشمالية الذي يشبه الثور وينافس الثور على وزنه هو :
ـ السيد الرئيس؟
يحدث هذا في كوريا وفي (كل الكوريات) المتشابهة حيث صحة الشعب من صحة الرئيس، فالرئيس وعلى الدوام هو “الوحيد”، وهو الرجل الذي لابديل عنه:
ـ لابرلمان ينتخب رئيسًا، ولا أحزاب تتنافس على الرئاسة، ولم تستطع القدرة الإلهية صناعة رجل على شاكلته، فقد أعدم القدر جميع القوالب التي يمكن أن تأتي بمثيلة وكسرها.
وقد تؤدي وفاته أو عجزه لفترة طويلة عن أداء مهامه إلى وجود فراغ في السلطة في الدولة النووية، وهو ما قد يجلب حالة جديدة من عدم الاستقرار في البلاد بل في شرق آسيا قاطبة.
ويسود الاعتقاد بأنه إذا اعتبرت شقيقته كيم يو جونغ غير مناسبة للحكم، فإن السلطة قد تتحول إلى خارج عائلة كيم للمرة الأولى.
و… يا للهول.
في عام 2014، اختفى كيم جونغ أون لمدة 40 يوماً ما قاد إلى تخمينات بأنه إما مريض مرضاً شديداً أو حتى ميت. وعندما عاد للظهور كان معه عكاز، وهو ما دفع المراقبين إلى الاستنتاج بأنه يتعافى من عملية في الكاحل.
وتكررت الاختفاءات على نحو جعل الحكومة في كوريا الجنوبية تستنتج بأنها ربما كانت اختفاءات لأغراض طبية.
وفي إحدى هذه المرات في 2020، ظهر كيم وعلى رسغ يده علامات ربما جاءت من إجراء طبي ما.
قبل أعوام دفعت زيادة الوزن التي ظهرت عليه المراقبين إلى الاعتقاد بأنه ربما يعاني من ظروف صحية كمرض السكري والنقرس. ولكن نظراً لأن صحة الزعيم هي أمر لا يتم الحديث عنه – حتى الآن – في وسائل الإعلام الرسمية، فإن هذه التوقعات من المستحيل تأكيدها.
لهذا بكى الكورويون، فالرئيس هو الوطن، والوطن هو الرئيس، وكان هذا حال “ليبيا القذافي”، ومن بعده دخلت ليبيا في الحرب الأهلية والانقسام ومع الحرب الأهلية جحافل من الجيوش المرتزقة، وفي بلد مثل سوريا، كان الرئيس هو الوطن والوطن هو الرئيس، حتى بات سؤال :
ـ ما البديل؟
هو السؤال الشاغل للناس كل الناس، وكانت أثمانه قرابة مليون قتيل ونصف مليون معتقل ومخفي، ونصف الشعب وقد رحل عن البلد، أما عن الدمار فلم يبق ما لم يدمر سوى “هيكل” الرئيس.
صحة “جو بايدن” لاتقلق الأمريكيين، وكذلك صحة المستشارة الألمانية، فبالنسبة للألمان ليس مهمًا أن يثخن خصن مستشارتهم ميركل أو ينحف.. أن يتضاعف أو ينقص.. المهم أن تستمر ميرسيدس بانتاج سياراتها الكهربائية وأن يطال الضمان الصحي الناس كل الناس بمن فيهم المهاجرين واللاجئين.
صحة بنيامين نتنياهو لم تهم الإسرائليين، المهم أن تبقي إسرائيل على تفوقها النووي وعلى انجازاتها في الحرب السيبرانية.
في مثل هذه البلدان لكل من هؤلاء القادة بديل، فالله خلقهم ولم يكسر القالب.
القالب مكسور فقط في الدولة الشمولية.. دولة العصابة.. العائلة.. السجن.
وإذا ما نقص وزن السجّان فعلى المساجين، كل المساجين أن يذرفون الدموع.