مرصد مينا – هيئة التحرير
في الوقت الذي يلف الغموض واقع التطورات السياسية في السودان، أثار اعتقل الجيش، صباح اليوم الاثنين، رئيس الوزراء “عبد الله حمدوك” ومعظم أعضاء حكومته وعدد من المسؤولين والعاملين في قطاع الإعلام، قلقاً دولياً وعربياً، وسط حديث عن انقلاب ينفذه العسكر في البلاد التي شهدت خلال الأيام الماضية حالة من الفوضى.
العاصمة الخرطوم تشهد انتشار عسكريا مكثفا ومظاهرات احتجاجية اذ يبث التلفزيون الرسمي أغاني وطنية، الزمر الذي يشير عادة إلى أن حدثا سياسيا كبيرا يجري في البلاد.
ويأتي ذلك بعد توترات شديدة شهدها السودان خلال الأسابيع الأخيرة بين مكونات السلطة التي تتألف من مدنيين وعسكريين، وانقسام الشارع بين مطالبين بحكومة عسكرية وآخرين مطالبين بتسليم السلطة الى المدنيين.
انقلاب جديد..
بدورها، أعلنت وزارة الثقافة والإعلام في بيان لها اليوم الاثنين، أن “قوى عسكرية” اعتقلت “أغلب أعضاء مجلس الوزراء والمدنيين من أعضاء مجلس السيادة”، في أول بيان رسمي يصدر عن الحكومة التي يترأسها “عبد الله حمدوك”، بعد الاعتقالات التي جرت فجر اليوم.
ولم يحدد البيان، ما إذا كان “حمدوك” نفسه ضمن المعتقلين، بينما أشارت تقارير اعلامية الى أنه وضع قيد الإقامة الجبرية في منزله بعد أن حاصرت قوة عسكرية مجهولة منزله في وقت مبكر من الاثنين، وانقطعت خدمة الإنترنت تماما في البلاد واصبحت الهواتف المحمولة تستقبل الاتصالات فقط ولا يمكن إجراء أي مكالمات من خلالها.
لكن مكتب رئيس الوزراء السوداني، “عبد الله حمدوك،” أكد في بيان له، أنه تم اختطاف رئيس الوزراء وزوجته فجر اليوم الاثنين من مقر إقامتهما بالخرطوم، وتم اقتيادهما لجهة غير معلومة من قبل قوة عسكرية”.
وأضاف البيان: “ما حدث يمثل تمزيقا للوثيقة الدستورية وانقلابا مكتملا على مكتسبات الثورة التي مهرها شعبنا بالدماء بحثاً عن الحرية والسلام والعدالة”، محملا “القيادات العسكرية في الدولة السودانية المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك وأسرته، كما تتحمل هذه القيادات التبعات الجنائية والقانونية والسياسية للقرارات الأحادية التي اتخذتها”.
إلى جانب ذلك، قطع رجال بزي عسكري الطرق التي تربط وسط العاصمة السودانية بكل من خرطوم بحري وأم درمان، المدينتان المحاذيتان للعاصمة، فيما نزل عشرات المتظاهرين الى الشوارع وقطعوا طرقا وأشعلوا إطارات، احتجاجا على اعتقال المسؤولين الحكوميين.
ويتولى مجلس السيادة الانتقالي والحكومة اللذان يضمان عسكريين ومدنيين، السلطة في السودان منذ آب/أغسطس 2019 بموجب اتفاق تم التوصل إليه بعد بضعة أشهر على الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في نيسان/أبريل من العام نفسه وإنهاء حكمه الذي استمر 30 عاما.
وأفادت وكالة “رويترز” بأن عددا من المتظاهرين أصيبوا اليوم الاثنين في اشتباكات أمام مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم، وذلك خلال الاحتجاجات الرافضة لاستيلاء الجيش على السلطة، فيما ذكرت وسائل إعلام محلية أن أشخاصا أصيبوا في اشتباكات بين جنود سودانيين ومتظاهرين مناهضين لاستيلاء الجيش على السلطة، أثناء محاولتهم الاقتراب من مبان تضم مقرات عسكرية في الخرطوم.
من جهتها أشارت وزارة الإعلام إلى أن “قوات عسكرية أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين الرافضين للانقلاب العسكري أمام القيادة العامة للجيش، وأوقعت عدد من المصابين”، لافتة إلى أن “جموع الشعب السوداني الرافضة للانقلاب العسكري تتحدى الرصاص وتصل إلى محيط القيادة العامة للجيش”.
العصيان المدني وحماية الثورة..
في المقابل، شدد مكتب رئيس الوزراء السوداني على أن “الثورة السودانية التي انتصرت بالسلمية عصية على الانهزام، والدماء التي سكبها الثوار على طول الطريق نحو الحرية والسلام والعدالة، لن تضيع سدى بين أقدام المغامرين”، لافتا إلى أن “الشعب السوداني الذي هزم أعتى الديكتاتوريات في جولات سابقة، لديه من الطاقة والعزم والإباء ما يعينه على إعادة الدرس ألف مرة لمن لم يفهمه بعد، أما د. عبدالله حمدوك، القائد الذي قدمته الثورة السودانية على رأس الجهاز التنفيذي لحكومة الثورة، أهون عليه أن يضحى بحياته، على أن يضحي بالثورة وبثقة الشعب السوداني في قدرته على الوصول بها إلى غاياتها”.
ودعا “الشعب السوداني للخروج والتظاهر واستخدام كل الوسائل السلمية المعلومة والتي خبرها وجربها، لاستعادة ثورته من أي مختطف، كما نؤكد أن الشعب السوداني بإرادته الجبارة، هو الحارس لمكتسباته وهو القادر على حماية ثورته”.
من جانبه، وصف تجمّع المهنيين السودانيين، أحد المحركين الأساسيين للانتفاضة التي أسقطت عمر البشير عام 2019، اعتقالات عدد من المسؤولين الحكوميين بأنه “انقلاب”، ودعا الى النزول الى الشوارع والى “العصيان المدني”.
وطالب تجمع المهنيين في بيان نشره على حسابه على تويتر الى “المقاومة الشرسة للانقلاب العسكري الغاشم”، مناشدا “الجماهير الخروج الى الشوارع واحتلالها وإغلاق كل الطرق بالمتاريس والإضراب العام عن العمل وأي تعاون مع الانقلابيين والعصيان المدني في مواجهتهم”.
يذكر أن محاولة انقلاب في أيلول/سبتمبر تم إحباطها، لكن قال المسؤولون على إثرها أن هناك أزمة كبيرة على مستوى السلطة، وبرزت إثر ذلك الى العلن الانقسامات داخل السلطة، لا سيما بين عسكريين ومدنيين.
وفي منتصف تشرين الأول/أكتوبر، بدأ محتجون اعتصاما قرب القصر الجمهوري للمطالبة بحكومة عسكرية، بينما ردّ أنصار الحكم المدني الخميس بتظاهرات شارك فيها عشرات الآلاف في الخرطوم ومدن أخرى طالبوا فيها بتسليم السلطة الى المدنيين.
تجمع المهنيين وجه عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي نداء إلى “لجان المقاومة بالأحياء والقوى الثورية المهنية والنقابية والمطلبية والشعبية للوحدة والمقاومة الشرسة للانقلاب العسكري الغاشم، واستخدام الأدوات المجربة والكفيلة بتركيع كل متسلط لإرادة شعبنا الغلابة”.
بدوره، دعا الحزب الشيوعي السوداني إلى “إعلان الإضراب السياسي والعصيان المدني”، فيما حث المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني “جماهير الشعب السوداني قاطبة وفي كافة ربوع السودان الخروج إلى الشوارع فوراً، ونهيب بقوى الثورة جميعاً ولجان المقاومة في كافة أحياء وقرى وأرياف ومحليات ومدن السودان، للاصطفاف صفاً واحداً منيعاً، ومقاومة هذا الانقلاب العسكري كيفما تسربل وتحت أي مسمىً كان، أومن الذي يقف خلفه”.
أما حزب الأمة القومي فاعتبر أن التطورات في السودان تمثل “انتهاكا للوثيقة الدستورية وعملا غير شرعي”، في حين دعا حزب التجمع الاتحادي السوداني “جماهير الشعب للتوجه إلى الشوارع لحماية الثورة”، وطالب بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين.
مقترحات ودعوات دولية..
وفي أول رد فعل خارجي على التطورات المتسارعة في السودان، أعرب المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، عن قلق بلاده من التطورات التي يشهدها السودان، لافتاً إلى أنه “قلق بشأن تقارير تتحدث عن استيلاء عسكري على الحكومة الانتقالية في السودان”.
وحذر “فيلتمان” عبر موقع “تويتر” الرسمي لمكتب الشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية الأميركية من أن سيطرة الجيش تتعارض مع الإعلان الدستوري السوداني وتهدد المساعدات الأميركية للبلاد، بينما أكد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمنية، جوزيب بوريل، أنه يتابع الأحداث الجارية في السودان بـ”قلق بالغ”.
وأعرب المبعوث البريطاني الخاص للسودان “روبرت فيرويذر”، عن “قلقه العميق” إزاء التقارير التي تتحدث عن اعتقال العسكريين لأعضاء الحكومة السودانية المدنيين، لافتا إلى أن “أي خطوة من هذا القبيل ستمثل خيانة للثورة وللانتقال وللشعب السوداني”.
هذا وقال فولكر بيرتس، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان، إن “المنظمة الدولية تشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تتحدث عن انقلاب في السودان، ومحاولات تقويض عملية الانتقال السياسي”.
وعلى الصعيد العربي، فقد أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط عن بالغ القلق إزاء تطورات الأوضاع في السودان وطالب جميع الأطراف السودانية بالتقيد بالوثيقة الدستورية التي تم توقيعها في 2019.
كما أكدت منظمة التعاون الإسلامي أنها “الأمانة العامة للمنظمة تتابع بانشغال تطورات الوضع في السودان، وتدعو جميع الأطراف السودانية الى الالتزام بالوثيقة الدستورية وبما تم الاتفاق عليه بشأن الفترة الانتقالية.
يشار إلى أن التطورات المتسارعة تأتي بعد ساعات من الإعلان عن تقديم الولايات المتحدة مقترحات، لحل الأزمة السياسية الراهنة، تعهد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بدراستها مع رئيس مجلس الوزراء.
وقد عقد المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان سلسلة لقاءات مع قادة المرحلة الانتقالية خلال اليومين الماضيين، وقالت سفارة واشنطن بالخرطوم أمس إن فيلتمان أكد للمسؤولين السودانيين أن الدعم الأميركي يعتمد على التزامهم بالنظام الانتقالي المتفق عليه بالإعلان الدستوري واتفاقية جوبا للسلام.
السفارة الامريكية ذكرت أن “فيلتمان حث الحكومة السودانية على تنفيذ المعايير الانتقالية الرئيسية وفق جداول زمنية، بما في ذلك إنشاء المجلس التشريعي الانتقالي، والاتفاق على موعد تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين، وإصلاح الأجهزة الأمنية، ووضع إطار للانتخابات، وإعادة تشكيل المحكمة الدستورية، وإقامة آليات للعدالة الانتقالية.
وخلال الأسابيع الماضية، تصاعد التوتر بين المكونين العسكري والمدني في السلطة الانتقالية، إثر انتقادات وجهتها القيادات العسكرية للقوى السياسية على خلفية إحباط محاولة انقلاب في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، والخلاف بشأن ترتيبات تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين وفقا للوثيقة الدستورية، ومنذ 16 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، يعتصم أنصار ما تعرف بقوى “الميثاق الوطني” أمام القصر الجمهوري بالخرطوم للمطالبة بحل حكومة حمدوك واستبدالها بحكومة كفاءات، في حين يعارض ذلك المجلس المركزي لقوى “الحرية والتغيير”.