مرصد مينا – بروفايل
أدرك الموت مطلع العام الحالي 2020، صاحب أطول فترة حكم في العالم العربي والثالث عالميا، سلطان عُمان “قابوس بن سعيد”، بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان، دون أن يترك وريثا من نسله يخلفه في الحكم.
يعرض لكم مرصد مينا فيما يلي أبرز محطات حياة “قابوس بن سعيد”، السلطان التاسع لسلطنة عُمان والحاكم الثاني عشر لأسرة آل بو سعيد، وصاحب لقب الإمام، حسبما يطلق العُمانيون على حاكمهم.
الولادة والنشأة..
ولد “قابوس” الابن الوحيد للسلطان “سعيد بن تيمور بن فيصل آل سعيد” في 18نوفمبر/تشرين الثاني عام 1940، أنهى دراسته الثانوية في المدرسة السعيدية بولاية صلالة التابعة لمحافظة ظفار، وتركها عام 1958، بعد أن قرّر والده إرساله إلى بريطانيا حيث واصل تعليمه في إحدى المدارس الخاصة، ثم التحق بعدها بعام بأكاديمية ساندهيرست العسكرية، وأمضى فيها عامان درس خلالها العلوم العسكرية وتخرج فيها برتبة ملازم ثان، ثم انضم إلى إحدى الكتائب العاملة في ألمانيا الاتحادية آنذاك لمدة ستة أشهر مارس خلالها العمل العسكري.
بعدها عاد إلى بريطانيا، وتلقى هناك تدريباً في شؤون الإدارة وتنظيم الدولة في الحكومة المحلية، ليعود إلى البلاد عام 1964، متعمقا في دراسة الدين الإسلامي وتاريخ وحضارة عُمان على امتداد ست سنوات.
الانقلاب على الأب وتولي الحكم..
تولى قابوس مقاليد حكم سلطنة عُمان في 23 يوليو/ تموز 1970، او ما يسمى بيوم النهضة المباركة في عُمان، عبر انقلاب قاده انصار “قابوس” على والده السلطان “سعيد بن قابوس”، الذي خلع منصبه وأُطيح به، منفيا إلى بريطانيا التي عاش فيها قرابة سنتين قبل وفاته هناك ودفنه فيها في أكتوبر/تشرين الأول 1972، وامتدت فترة حكم السلطان قابوس ما يقرب من 50 عاماً من 23 يوليو 1970 وحتى وفاته ، وتولى بعده الحكم ابن عمه السلطان الحالي لسلطنة عمان “هيثم بن طارق”.
فترة الحكم
منح قابوس نفسه صلاحيات مطلقة في الحكم، من ضمنها تعيين أعضاء الحكومة بنفسه، وحظر إنشاء الأحزاب السياسية، واستخدم عائداتها النفطية لتحديثها، فبدأت ب سلطنة عمان منذ بداية عهده بالتصدير التجاري للنفط والذي اكتشف بكميات تجارية عام 1968 وشهدت البلاد انتعاشاً اقتصادياً مع بداية حكمه، قسم برنامجه السياسي إلى مشاريع تنمية وطنية لكل خمس سنوات أسماها بالخطط الخمسية، عام 1975 قضى على الثورة الاشتراكية في محافظة ظفار التي استمرت عشر سنين، ويعرف عنه في عمان بأنه “ناقل البلاد من الحكم القبلي التقليدي إلى الحكم النظامي الديمقراطي”، وأنشأ المجلس الاستشاري للدولة وبعد عدة أعوام استبدله بمجلس الشورى ويمثل أعضاؤه 84 من جميع الأقاليم، وهو مجلس استشاري تشرف عليه هيئة أعلى تنفيذية تُعرف بمجلس عمان.
وتتلخّص أهم إنجازات “قابوس” في أنه أسس حكومة على النظام الديمقراطي، فبدأ بتكوين سُلطة تنفيذية مؤلفة من جهاز إداري يشمل مجلس الوزراء والوزارات المختلفة، إضافة إلى الدوائر الإدارية والفنية والمجالس المتخصصة ومن أولى الوزارات التي أسَّسها السلطان قابوس بعد توليه مقاليد الحكم مباشرة وزارة الخارجية، وقد أوضح السلطان قابوس الخطوط الرئيسية لسياسته الخارجية وذكر أنها مبنية على حسن الجوار مع جيرانه وأشقائه وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية وتدعيم علاقات عمان معهم جميعاً وإقامة علاقات ودية مع سائر دول العالم، بأنه يؤمن بالحياد الإيجابي ويناصره وقام بإرسال بعثات دبلوماسية لدول العالم، وفتح أبواب عُمان أمام البعثات الأجنبية وأنشئت فيها القنصليات والسفارات والهيئات الدولية والإقليمية.
داخليا أقام قابوس الكثير من مرافق ومؤسسات الدولة، مع النمو الاقتصادي وتصدير النفط ، كما شجع المزارعين وعمل على تطوير طرق الزراعة ونقلها من الطرق التقليدية القديمة إلى الطرق الحديثة التي تعتمد على الآلات والمعدات الحديثة، في سعيه لتتحقيق الاستقلال الغذائي، فأصبحت البلاد تنتج كل ما تحتاجه من غذاء، من قمح وخضراوات وفواكه وغيرها ويصدر ما يفيض عن حاجتها طازجاً أو بعد تعليبه إلى البلدان المجاورة وازدهرت التجارة في عهد السلطان قابوس في المجالين الداخلي والخارجي وارتبط ازدهار التجارة بتطور المواصلات التي تنقل المنتجات الزراعية من مناطق الإنتاج إلى سائر أرجاء عُمان وإلى الخارج كما تقوم وسائل المواصلات بنقل المنتجات الصناعية من وإلى الدول المجاورة وبقية الأقطار الآسيوية والإفريقية والغربية.
الوفاة والخلافة
بعد معاناة مع مرض السرطان توفي “قابوس بن سعيد”يوم الجمعة 10يناير 2020، ولم يكن له وريث من نسله يخلفه في الحكم، إلا أن الدستور ينص على أن مجلس العائلة الحاكمة يختار وريثاً للعرش بعد أن يصبح العرش شاغراً، وكان للسلطان قابوس عدد من أبناء الأعمام في الأسرة المالكة يشغلون قيادات حكومية عليا بالبلاد يمكن لأي واحد منهم أن يلي العرش من بعده ويكون ذلك بانتخابه من مجلس الأسرة الحاكمة، كما نصت على ذلك بنود الكتاب الأبيض المختص بشؤون الحكم والمُلك والإدارة للبلاد.
وبالفعل دعى مجلس الدفاع مجلس العائلة المالكة للانعقاد لتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم، وقد تسلّم مجلس الدفاع في نفس اليوم السبت 11 يناير 2020م ردًا من مجلس العائلة المالكة تمثل في أن المجلس المذكور قد انعقد وقرر تثبيت من أوصى به السلطان الراحل “قابوس بن سعيد” في وصيته، وعليه أوكل مجلس العائلة المالكة لمجلس الدفاع القيام بفتح الوصية وفقًا لما نصت عليه المادة السادسة من النظام الأساسي للدولة، وقام مجلس الدفاع بفتح الوصية وقراءتها بشكل مباشر على جميع الحاضرين والإعلان بأن “هيثم بن طارق بن تيمور” هو سلطان عمان، بعد يوم واحد من وفاة “قابوس”.