
مرصد مينا
مع دخول الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وباريس عامها الثاني، تصاعدت مخاوف الشركات الفرنسية العاملة في الجزائر من انهيار أعمالها، بعد أن أصبحت رهينة التوتر السياسي المتزايد بين البلدين.
وأطلق عدد من رجال الأعمال الفرنسيين، هذا الأسبوع، نداء استغاثة طالبوا فيه بإنقاذ استثماراتهم، مؤكدين أن استمرار الأزمة يهدد شراكات اقتصادية بُنيت على مدى عقود.
هذه المخاوف نُقلت مباشرة إلى عضوين في البرلمان الفرنسي، هما صابرينة صبايحي وآكلي ملولي، اللذان زارا الجزائر والتقيا برجال أعمال ومسؤولين محليين لمحاولة تقييم الوضع.
وقالت صبايحي إن المستثمرين الفرنسيين “سعداء بالعمل في الجزائر ولديهم قصص نجاح مهمة، لكنهم لا يرغبون في أن تنهار هذه الشراكة بسبب اعتبارات سياسية”.
أزمة الحقائب الدبلوماسية تعمّق الخلاف
الأزمة تفاقمت مؤخراً بسبب ما بات يُعرف بـ”أزمة الحقائب الدبلوماسية”. فقد أصدر وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو أوامر تمنع الدبلوماسيين الجزائريين من الوصول إلى مناطق استلام الحقائب الدبلوماسية في المطارات الفرنسية، في خطوة وصفها بأنها “تدرّج في الرد” على رفض الجزائر استقبال بعض رعاياها غير الحاملين وثائق رسمية والصادرة بحقهم أوامر ترحيل من فرنسا.
الجزائر ردّت بإجراءات مماثلة، من بينها تقييد تسهيلات دخول الدبلوماسيين الفرنسيين إلى المطارات والموانئ الجزائرية، واستدعاء القائم بالأعمال الفرنسي مرتين في أقل من أسبوع.
واعتبر ميشال بيساك، رئيس غرفة التجارة والصناعة الفرنسية الجزائرية، أن هذه الخطوات “تزيد من تعقيد الأزمة” وتُعدّ “عائقاً أمام عودة العلاقات الاقتصادية إلى مسارها الطبيعي”.
تحولات اقتصادية تقلق باريس
إلى جانب التوتر السياسي، يثير تقارب الجزائر مع إيطاليا مخاوف إضافية لدى الأوساط الاقتصادية الفرنسية. فقد وقّعت الجزائر وروما الشهر الماضي 40 اتفاقية تجارية كبرى، في وقت يشهد فيه التعاون الاقتصادي مع باريس تراجعاً واضحاً.
ويرى بيساك أن “الجزائر تبحث عن مصالحها مثل أي دولة، لكن من المؤسف أن نرى إيطاليا تتقدم بينما نحن نضيّع الوقت”.
محاولات برلمانية لاحتواء الأزمة
البرلمانيان الفرنسيان صبايحي وملولي شددا خلال زيارتهما على ضرورة “تهدئة الأجواء” وإعادة إطلاق الحوار بين البلدين.
وقال ملولي إن الهدف من زيارته هو “لقاء الفرنسيين المقيمين في الجزائر والاستماع إلى انشغالاتهم، وكذلك تبادل وجهات النظر مع النواب الجزائريين”، مؤكداً أن “الدبلوماسية البرلمانية تتيح مناقشة كل القضايا، حتى الشائكة منها، لبناء مستقبل مشترك بين ضفتي المتوسط”.
وتشهد العلاقة بين الجزائر وباريس توتراً مستمراً، يتصاعد في فترات متقطعة بسبب ملفات تاريخية وسياسية، إضافة إلى ملف الهجرة، إلى جانب الخلافات حول التعامل القنصلي والتأشيرات، ما زاد من تعقيد العلاقات الثنائية.
لكن جذور التوتر الأخير تعود إلى يوليو 2024، عندما قررت الجزائر سحب سفيرها من باريس احتجاجاً على دعم فرنسا لمقترح الحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء الغربية المغربية، وهو ما اعتبرته الجزائر انحيازاً غير مقبول في ملف إقليمي “بالغ الحساسية”.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن العلاقات الثنائية بين البلدين تواجه واحدة من أكثر فتراتها حساسية وتوتراً في السنوات الأخيرة، مع تراجع مستمر في مستوى التعاون السياسي والدبلوماسي.