الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، بدا عاجزًا عن “إخفاء الثقل في لغة جسده ولسانه”، هكذا وصفته هاآرتس وهي تصفه يلقي خطابه في الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة.
ليس وصفًا يحيد عن الواقعية، وإن جاء من موقع الخصوم، فالمؤشرات، بل جميع المؤشرات تفيد بأن الرجل فقد ثقله، كما فقد الفلسطينيون ثقتهم بقيادته، فعوامل الاحباط الفلسطيني، تتفاعل تحت الأرض الفلسطينية، كما تتآكل ثقة الفلسطينيين بأي حل لقضيتهم.
عباس، وكان قد ألقى كلمته من مكتبه في رام الله، حيث وضع خلفه أربع خرائط، بدءاً بخارطة المنطقة التي سماها البريطانيون “فلسطيناً” والتي سماها عباس “فلسطين التاريخية”، ومروراً بالمنطقة التي خصصت للفلسطينيين في خطة التقسيم من العام 1947 ووضع الفلسطينيين حتى العام 1967 وانتهاء بالواقع الآن كما عرضه، سيطرة فلسطينية على 12 في المئة من الأرض.. لذلك، تقلص الحلم الوطني الفلسطيني.
في خطابه طالب عباس بالعودة إلى خطوط 1967، تقريباً بعد ثلاثة عقود من توقيعه على اتفاق أوسلو وهو فوق العشب الأخضر في البيت الأبيض، في حينه كان يبدو هذا الأمر تقريباً في متناول اليد.
وماكان “في متناول اليد” بات اليوم أعجز من أن يأتي في المنام، رغم تكرار التهديدات فقد هدد مرة بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وإلغاء الاعتراف بإسرائيل، الأمر الذي يعني إلغاء التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ولكن حتى عباس نفسه يعرف أن ثمة شكوك بأن هذه التهديدات “ستقض مضاجع قادة إسرائيل، أو تجعل الرئيس بايدن يقفز عن سريره” وهو الكلام الذي يحمل سخرية صريحة من الرئيس عباس، والذي حملته “ها آرتس” الإسرائيلية، ، فهذه التحذيرات سبق وسمعها الإسرائيليون من قبل، حتى بصورة قاطعة، لكن تأثيرها كان ضئيلاً في الساحات السياسية والإسرائيلية والدولية، خصوصًا وقد تراجعت القيادة الفلسطينية عن أي تهديد كي لا تحطم الأدوات إزاء ضغوط عربية ودولية.
في القضية الفلسطينية، بات اليوم ثمة طرفان فقط لاثالث لهما يتحكمان بمساراتها، أولهما السلطة الإسرائيلية، وهي السلطة التي تجنح كل يوم نحو الحسم بالسلاح، وآخر وقائع السلاح ما حدث اليوم في رام الله، وثانيهما منظمة “حماس”، وهي المنظمة التي تقتات على السلاح، وتخطف القضية الفلسطينية برمتها نحو “خيار العنف”، وهو عنف مزدوج، في شق منه بمواجهة إسرائيل، وفي الشق الثاني، العنف بمواجهة الفلسطينيين أنفسهم وقد حوّلت “حماس” قطاع غزة برمته إلى سجن كبير، ليس بعيدًا عما تحدثه طالبان في أفغانستان، أو ما تحدثه جبهة النصرة في الاراضي السورية التي تقع تحت إدارتها، وكل ذلك يحدث في غياب شبه كامل للسلطة الفلسطينية، التي باتت مجرد “شاهد” على ما يحدث، وهو شاهد يسقط ذاكرته حيث يشاء وكيفما يشاء، وقد باتت السلطة رهينة لـ “عباس” ومحازبيه، وكليهما لاعباس، ولا محازبيه ينالون أي من ثقة الشعب الفلسطيني، وقد بات معلقاً بالفراغ، وخياراته ليست سوى “دكتاتورية الخيارات”، فـ :
ـ إما الاستسلام لـ “حماس”، بما لها من تاريخ في الظلام.
ـ وإما الاستسلام للإسرائيليين، والسقوط مجددًا تحت رحمة الاحتلال.
وإما القبول بسلطة فاسدة، يقودها عجوز غارق بالفساد.
وهكذا تكون الحرب التي تتلوها حرباً ووراء كل حرب خراب بيوت، وآلاف الشهداء من الفلسطينيين، فيما قوى السلام تغيب عن كلا خندقي المتحاربين ليحل الموت وحده، ومع الموت ثمة الكثير من الأرصدة والاستثمارات والمتتبعون لمسارات الحقائب المالية التي تهبط في مطار بن غويريون وتشحن إلى حماس، يعرفون حقيقة هذا النوع من الاستثمار.
اليوم، تتقاطر المعلومات، ومن المعلومات أن العائلات الفلسطينية تحت ظل السلطة الفلسطينية تتزود بالسلاح، وسيكون السؤال:
ـ هل سيخصص هذا السلاح لمواجهة إسرائيل؟
في بعض منه: نعم.
وفي جلّه لا، وليس بعيدًا ذلك اليوم الذي نرى فيه البندقية الفلسطينية وهي تطارد البندقية الفلسطينية في رام الله، وعموم الضفة الغربية.
حماس لاتتردد في هكذا خيار، والسلطة الفلسطينية لن تخرج من شيخوختها تحت إدارة الشيخ “محمود عباس”، أما إسرائيل:
ـ لابد ستتفرج.
وستسعدها الفرجة بلا شك.