مرصد مينا
سمة لبنان أنه طائفي يتنكّر للطائفة، هذا حاله بدءاً من سمير جعجع وصولاً لحسن نصر الله، أما عن الإنكار، ونعني إنكار الطائفية فهو اللعنة، ذلك أن الإنكار لم يحل دون حرب أهلية مضت، ولن يعيق حرباً أهلية ستأتي، كما أنه يتلافى التقسيم ويعجز عن التعايش.
لبنان سمير جعجع ماروني، ولبنان حسن نصر الله شيعي، أما وليد جنبلاط فلبنانه هو لبنان الحائر ما بين لبنان الدرزي، أو لبنان القومي، وقد يتخطى هذه الحيرة ليحتار إذا كان هذا اللبنان لبنان يساري أم لبنان الليبرالي، وإذا ما أتى الكلام عن ميشال عون فهو التعبير الأكثر صراحة عن العجز عن انجاز هوية “أيّة هوية” فلا هو “باسيلي” ولا هو “عوني” ولابد أن الحيرة تتناسب عكساً مع طول جبران باسيل.
سنّة لبنان متجذرين بالقومية، بدءاً من “القومية الناصرية”، وحين اجهز التاريخ على قومية “عبد الناصر” اصطفوا بقومية “الخط السعودي”، وتاهوا في هويتهم، وهكذا أصّلت المتاهة للوصاية، والوصاية لابد وتنهي فكرة الدولة، بغضّ النظر عن أهزوجة الاستقلاليين، فمنهم من يبحث عن “فرنسا الأم الحنون”، ومنهم من يتلّطى بالسفارة الامريكية، ومن دون شكّ فالولي افقيه يلعب في مساحات من كانوا محرومين وباتوا حاكمين، والكل يتنكّر، وما الإنكار إلاّ تعميقاً للمتاهة وصولاً للوقوف “صفّاً واحداً” بمواجهة الكونفدراليات، مجرد التفكير بالكونفدراليات كما لو أن الكونفدرالية لاتعني سوى التقسيم، وهي التي لم تقسّم سويسرا، ولم تتجن على ألمانيا، أما عربياً فتجربة دولة الإمارات، لابد وأنها تجربة جدير ة بالتأمل والاحترام، وفيها جمعت الكونفدراليات سبع جزر متفرقة لتكوّن الدولة الواحدة بأسواق متكاملة، ومدنية منافسة، فقفزت بالتجربة من مجتمعات الإبل والصيد البحري إلى الدولة المدنية التي تستحق وبكل المقاييس وصفها بالمدنية.
في لبنان اليوم فوبيا “الكونفدرالية” واللافت أن هجاة “الكونفدرالية” هم الأكثر اشتغالاً على التقسيم بدءاً من مرفقات “الكبّة النية” وصولاً للفوارق الجوهرية ما بين “البكيني” و”الشادور”، والكل يعمّق المشكلة بتأجيل المشكلة، ليغرق في النهاية بإنكار مشكلته، ومع الإنكار ألغيت الدولة بالمفهوم المديني للدولة، وحلّت “السلطة” مكان الدولة وهي سلطة متسلطة على وإلى مجموعات ولكل زعيم سلطته على رعاياه.
يتكّرون للتقسيم ويمارسونه، يلعنون “الكونفدرالية” وهي الصيغة الأقرب والأكثر جدوى لمتجاور متحاور كبديل عن متجاور متناحر.
تلك هي دولة “الميجانا” وقد فقدت الميجانا بريقها.
هل ثمة من يصدّق أن انتخاب رئيس بمرتبة ساكن قصر بعبدا، يتطلب كل هذا العراء؟
عراء من الدولة ووصايات دول تمتد من الشانزليزيه وصولاً إلى الكابيتول دون نسيان المرور بـ “دشمة” من دشم الولي الفقيه ومن بعده الإمام المنتظر؟