باتت توصف بالجحيم، هذا عن “سوريا الناس”، أما عن “سوريا النظام” فقد تحوّلت إلى “إمبراطورية الكبتاغون”، ولو لم يكن الامر كذلك لما صدر عن الكونغرس ذاك التقرير الذي سيزيد بلاء الحياة السورية، ليضاعف من بلاويهم.
اقتصاديات غارقة، ولقمة مفقودة، وقد تجاوز ضيق الحياة السورية تلك المرحلة الموصوفة بـ “سفر برلك”، وقد بات السؤال الموجه للنظام، بل ولرأس النظام شخصيًا:
ـ ما الذي أبقيتموه للسكّان؟
حتمًا لم يعد بوسعه قول أي شيء، ولهذا فهاهو يحتجب عن الشارع، وعن الإطلالات التلفزيونية، وإذا ما حدث واطل، فليس لديه سوى التلويح بيديه ومفرداته، وكلتاهما تلويحات لاتعنيان شيئًا سوى الإمعان بالفساد وتجويع الناس، واكثر من هذا بالعنف اعتقادًا منه بأن العنف وحده هو الطريق للإبقاء على سلطاته بعد اختبار للعنف امتد على خمسين سنة كانت السنوات العشر الأخيرة ذروتها.
وفق تقارير دولية قد لا تكون دقيقة، ستكون عائدات الاتجار بالكبتاغون لتتجاوز ١١ مليار دولار سنويًا، وهي عائدات كما عائدات النفظ عبر عقود ممتدة، عائدات محصورة بالعائلة الحاكمة، وبالتالي فهي لن تستثمر في انتشال النظام من مآزقه، أما المجاعات، فعلاجها كان على الدوام، الإنكار أو العنف، ووحدهما لن يكونا كفيلين باستمرار النظام، وهذا مالم يدركه بشار الأسد الموصوف بالغرور والصلافة بل بضيق الأفق، وهو مالم يرثه عن والده بعد أن ورث سلطة الوالد التي تعني قسر الناس على حياة ليست بحياة.
سوريا اليوم على مفترقات قد تكلف الكثير من الدموع والدماء، غير أنهما “الدموع والدماء” قد يتحولا إلى خلاص لن تقتطف ثماره اليوم او غدًا، ولكنها اثمان لابد منها وكلما تأجل دفعها كلما طالت عذاباتها لتتضاعف الأثمان مع كل يوم إذا لم يرحل النظام، والسوريون حتى اللحظة مازالوا يتساءلون:
ـ أيّ طريق سنختط إذا ما كان طريق الحلول السلمية مستحيلاً مع نظام لن يراجع لا تجربة الأمس ولا أثمانها؟
اجتهادات عديدة نسمعها من سوريين، بعضهم من المعارضات وبعضها من بيئة النظام نفسه، اما عن اجتهادات المعارضات فقد طاف على سطحها مبادرة حملت اسم معاذ الخطيب، وكانت في مضمونها اقتراحًا لشراكة تجمع المعارضة مع النظام عبر حكومة تكنوقراط، ومصالحة المجتمع الأهلي، وكان رد الرأي العام على هذه المبادرة بالغ الاستخفاف بها، بل وساخرًا منها اعتبارًا من ان “مصالحة الناس” مع النظام تعني فيما تعنيه أن يأكل النظام نفسه فيما لو تنازل عن شرطه، وهذا لن يحدث، وكل ماسيقود إليه خطاب من طراز خطاب الخطيب هو هدر ماء وجه المعارضة مقابل اشتداد ساعد النظام، اما عن مبادرات الموالين للنظام فلم تفترق كثيرًا عن مبادرة الخطيب، بفارق أنها محفوفة بمخاطر مواجهتهم مع النظام اقله كونهم من ناس الداخل ما يعني تحت وطأة النظام وكانت هذه المبادرات قد حملت عنوان فاتح جاموس المعتقل السابق وسجين النظام وقد تدحرج في مواقفه وصولاً إلى التخندق في خندق النظام.
اليوم ربما اختلف الامر، فلا مبادرة ممكنة أمام السوريين، فإما استمرار النظام ما يعني استمرار العنف والفساد والمجاعة وهي تتضاعف يومًا بعد يوم، وإما العودة إلى السلاح وهو الخيار الذي لم يقد البلاد إلى نتائج سعيدة، فما الذي تبقّى امام الناس؟
ربما انعدام الخيارات، وربما موقفًا دوليًا جديًا في مواجهة النظام.
وحين نقول موقفًا دوليًا، فبالقطع نعني موقفًا لا يشبه أمس المواقف الدولية التي استثمرت بالناس ولم تكن استثمارًا لخيارات الناس، وقد تكون بداياته ذاك القرار الصادر عن الكونغرس الأمريكي بمضاعفة العقوبات على النظام والمرتبط بـ “إرهاب الكبتاغون”، وبالقطع فلا زيادة الحصار تقضّ مضاجع النظام، ولا هذا الطراز من العقوبات كفيل بإسقاط النظام، ولو كان الامر على هذا النحو لأسقطه قانون قيصر، ولسقط نظام الملالي في إيران أو سقط نظام كوريا الشمالية وهو يقف تحت أنف الامريكان.
ثمة من يذهب للقول:
ـ هذه المرة ستكون المواقف الدولية بالغة الجدية.
وحين نسمع مثل هذا الكلام، نصغي إلى إضافات عليه، والإضافات تقول:”ثمة تقاسم وظيفي لسوريا المستقبل لتكون، سوريا حصة الأمريكان، وسوريا حصة الأتراك، ومن ثم سوريا حصة الروس”، والحصص إياها لا تعني سوى تقسيم البلاد ليكون للنظام حصة من التقسيم إياه وهي الحصة المتروكة له في الساحل والعاصمة دمشق.
سيبرز العنوان الأكثر إقلاقًا للسوريين، وهو:
ـ التقسيم.
مع هذا العنوان، سنسمع الكثير من الصراخ:
ـ طلاق طوعي أفضل من زواج قسري.
قد يحدث ذلك.. بل:
ليس بعيدًا أن يكون.