كما لو أن العالم يقف بانتظار “ضربة إسرائيلية للعتبة النووية الإيرانية”، ومعها حرب جديدة في الشرق الأوسط من الممكن التنبؤ ببدئها ولكن من الصعب التنبؤ بنتائجها.
الإسرائيليون وعبر حكومة “نفتالي بينيت”، يعلنون دون كلل أن نفوذ إيران الإقليمي يهدد وجود إسرائيل، والتقارير باللغة العبرية تتدفق بما يشير إلى استعداد إسرائيل توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، وأنها نجحت في الحصول على موافقة ضمنية غير معلنة من الجيش الأمريكي على ضرب المفاعلات النووية الإيرانية.
بالنسبة للإسرائيليين فإن أزمة الملف النووي الإيراني تمثل في واقع الحال جملة مصالح كما حزمة فرص تسعى إلى تعزيزها ومن ثم الاستفادة منها لأقصى حد.
المعلن، أو ربما الأشد وضوحًا من هذه الفرص والمصالح:
ـ العامل الأساس في تماسك الدولة الإسرائيلية ومنذ نشأتها كان العمل على قاعدة ” العدو وراء الأسوار” وتصوير إيران باعتبارها العدو، وهذا عامل حمل نتائج مؤداها أن إيران هي المهدد الأول للإسرائيليين بنسبة تصل إلى 56%، وفق استطلاعات الرأي الإسرائيلية، لا سيما بعد أن شعر الإسرائيليون بأنفسهم تداعيات هذا العداء بعد حادثة سقوط صاروخ إيراني الصنع في منطقة ديمونا الإسرائيلية هذا على مستوى الدولة، ولاغرابة في أن يكون الحال كذلك مع الأفراد فهذا نتنياهو زعيم المعارضة الإسرائيلية حاليًا يعزز رصيده السياسي بالادعاء أن أسرته محل تهديد بالاغتيال من إيران ودول أخرى، مستفيدًا من المزاج الإسرائيلي العام الذي يُستنفر ضد إيران.
ـ شغل إسرائيل الشاغل اليوم هو خلق منظومة دفاعية إقليمية ذات مستويات عالية الدقة لمواجهة الصواريخ الإيرانية، وحتى الآن لا تزال إسرائيل والولايات المتحدة في طور أولي ومتواضع في التعاون المشترك لتصنيع بطاريات صواريخ دفاعية تنجح في صد إيران، إذ تكتفي الولايات المتحدة بالإعلان عن استمرارها في التعاون مع إسرائيل لتطوير أنظمة الدفاع، وبالنتيجة فإيران ستتحول إلى أكبر ذريعة لتطور منظومات الدفاع الإسرائيلية.
ـ ليستمر التسامح الروسي مع الإسرائيليين في ضرب اهداف بسوريا، فلابد أن يتأتى ذلك بأن تقتنع روسيا بأن هناك تدفقًا حقيقيًا لشحنات الأسلحة والمعدات التكنولوجية الإيرانية من منطقة البوكمال السورية صوب لبنان، وهو ما يحقق للرواية الإسرائيلية التماسك اللازم للتحرك المتفق عليه.
فوق هذا وذاك فإيران توفر لإسرائيل عبر “عنادها النووي” فرصة إقناع الصين –التي تتجه إلى عقد شراكة استراتيجية شاملة مع إيران- بأحقية إسرائيل في الدفاع عن نفسها ورفضها الاتفاق النووي.
كل ماسبق يعني أن إيران باتت “فرصة إسرائيلية”، أما عن ضجيج الكلام بالحروب فالحرب المفتوحة لابد مستبعدة، فثمة في العالم اليوم ماهو أشد فتكًا، أقله عبر حروب الظل التي تتميز بتنوع مناطقها الجغرافية وتنوع وسائلها وأدواتها بين الحرب السيبرانية، والاغتيالات، وضرب منشآت إيرانية حيوية سرًا في إيران، أو ضرب أهداف إيرانية في الشرق الأوسط برًا (سوريا بالتحديد) وبحرًا (في الخليج العربي، والبحر الأحمر، وشرق المتوسط). وقدمت إسرائيل نجاحات ملحوظة في هذا النوع من الحروب غير النظامية والضربات النوعية الصغيرة.
ويبقى السؤال:
ـ هل تكفي هذه الحروب لوقف البرنامج النووي الإيراني؟
قد لايكون كافيًا لاجتثاث التطلعات النووية الإيرانية، ولكنه كاف لإعاقتها ، اما الانتقال إلى حرب مكشوفة، معلنة، واسعة، فلهذا شأن آخر ربما يتطلب الكثير.
هو يتطلب تحديد عدد المفاعلات النووية الإيرانية والمنشآت الحيوية المغذية للبرنامج النووي الإيراني، كما تحتاج إلى تحديد قواعد الجهوزية العسكرية الكاملة لضرب هذه الأهداف؛ أي تحديد المطارات الرئيسة ومناطق التزود بالوقود والتسلح بالقنابل النوعية الثقيلة، والأهم فهو يحتاج إلى الموافقة الأمريكية على الضربة لتقليل فرص اندلاع حرب إقليمية أو تداعيات غير محسوبة من الحرب المباشرة.
الحرب مرتفعة الشدّة ماتزال بعيدة.
حروب الظل ستبقى “ربما” إلى أمد بعيد.