كان السؤال على الدوام:
ـ هل تدخل إيران الحرب بمواجهة إسرائيل؟
هو السؤال المطروح منذ أربعين عامًا، يوم امتطى آية الله الخميني أكتاف القضية الفلسطينية، معتبرًا بأن القدس إرثًا عقاريًا لشخصه وثورته.
ولكن الحرب لم تقع.
الحرب لم تقع، ولن تقع، فما وقع كان “إيران غيت”، وكان السلاح الإسرائيلي قد تدفق على إيران بمواجهة العراق، وهي واقعة لم ينكرها لا الإسرائيليون ولا الإيرانيون.
الحرب لم تقع، والتلويح بها لم يتوقف، والاستثمار بالقدس من الجهة الإيرانية استمر في لعبة احتواء المركز الإسلامي، او قيادة العالم الإسلامي، وتلك لعبة أتقنها الأتراك عبر القدس باعتبارها (القدس) عروس القهرمانات الأتراك وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان، في حين كانت العلاقات الاقتصادية والمالية والتبادال التجاري ووفود السياح وتبادل المنافع تسجل أرقامًا قياسية ما بين الدولتين المتعاديتين “شفويا” والمتحالفتين موضوعيًا، وها نحن اليوم أمام لحظة جديدة لابد وتملي اشتراطات جديدة.
اشتراطات جديدة ولكن على كلا الشعبين الفلسطيني واليهودي في الداخل الفلسطيني، فيما لن يتغير شيء على المستوى الآخر.
ـ بما يعني:
لن تكون حرًبا اسرائيلية ـ إيرانية، والمتابع للعلاقات الخفية بين إيران وإسرائيل منذ قيام ثورة 1979، ودعم مؤسسات حقوق الإنسان الأمريكية -خاصة مؤسسة كارتر لحقوق الإنسان- لتلك الثورة، والإطاحة بشاه إيران، وشراء إيران أسلحة من إسرائيل إبان الحرب العراقية الإيرانية وهو ما يعرف بـ”إيران جيت”، والتعاون والتنسيق بين إيران والولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، يجد أن مثل هذه التهدايدات المتبادلة ما هي إلا أوراق ضغط، يراد من ورائها تحقيق مكاسب على أرض الواقع على خلفية الصراع الدائر في المنطقة العربية كما هو الحال في سوريا على سبيل المثال.
باحث إيراني بارز، وهو فكري سليم، سيقول مالم يقله الإعلام الإيراني، ومن جملة ماقال، وكان ذلك في حوار مع محطة روسيا اليوم إن ” إسرائيل لن تدمر إيران ولا إيران ستمحو إسرائيل، بل هي تهديدات مكررة منذ أربعين عاما، ولا يستطيع أي من الطرفين القيام بعمل عسكري شامل ومباشر ضد الآخر، إلا إذا كان هجومًا إلكترونيًا على مواقع نووية إيرانية لتحجيم البرنامج النووي الإيراني، أو ضربة خاطفة على مواقع إيرانية، أو استهداف شخصيات مهمة من النظام الإيراني أو داعمة له في المكان الوقت المناسب، وبالتالي فسيأتي الرد الإيراني ليرفع وتيرة العمليات الإرهابية في بلاد عربية عن طريق أفراد أو طائرات مسيرة لزيادة التوتر والإضرار بالمصالح الأمريكية الداعم الأساسي لإسرائيل”.
ما يمكن استخلاصه من كلام الباحث الإيراني، ولن نكون بحاجة للاستشهاد به فالوقائع تحكي، هو ان الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية لن تكون، وما سيكون هو الحرب بالوكالة، فالإيراني لن يدفع من دمه، ذلك أنه يبحث عن دم رخيص، مرة بالأجرة، وثانية بدوافع العقيدة، وفي كل الحالات لن يدفع، أسوة بالتركي الذي لن يدفع أيضًا.
الحرب بالوكالة؟
بالأمس عبر “حزب الله” واليوم، عبر “حماس” و “الجهاد الإسلامي”، والفلسطينيون يُقتلون تحت الردم، فيما التركي والإيراني يجلسون على رأس التلة، ويلمون الجثث من على حافة النهر.
النضال الفلسطيني، وكان اتجه الى النضال السلمي ما بعد سقوط شعارات “لاكتب اسمك يا يما على كعب البارودة”، كان الطريق الأقرب، والأقل تكلفة والأكثر جدوى، ومن يتابع ححركة الشباب الفلسطيني سواء في الضفة أو بين صفوف عرب 1948 يدرك بما لايقبل الشك، بأنه نضال مدروس، وعاقل، وممتلك لأدواته، وانتزاع هؤلاء الشباب الى العسكرة لن يكون سوى:
ـ الدفع باليمين الإسرائيلي والقوى الدينية الأصولية للتماسك، وهو اليمين الذي يعيش أزمات متفاقمة أبسطها أن آلافًا من الشباب الإسرائيلي يرفضون الخدمة العسكرية، ويشتغلون على “حق المواطنة” بديلاً عن لغة الاستيطان، وبذات الوقت يسحب البساط من تحت أقدام قوى المجتمع المدني الفلسطيني، التي تعلمت كيف تحاور العالم، وكيف تحمل حقوقها وقضيتها متجاوزة خيبات القيادات الفلسطينية السابقة عليها بدءًا من كواتم صوت أبو جهاد خليل الوزير، وصولاً لرايات حماس وأحزمتها الناسفة، وبالنتيجة، الأخذ بالصراع الى الخسارة البائنة.
خسارة تعبيراتها وتجلياتها :
ـ أولا : في اعادة الاعتبار للثكنة العسكرية الإسرائيلية، وهي الثكنة التي تعني حبس الإسرائيليين وراء أسوارها، وهو الحبس الذي يرفضة الشباب الإسرائيلي وقوى المجتمع المدني الإسرئيلي، بل وقوى السلام في إسرائيل.
ـ ثانيًا: اعادة اختبار ما سبق واختبر على المستوى الفلسطيني، فالسلاح وقد اختبر، لم يولد سوى الكارثة عقب الكارثة بدءًا من أيلول الأردن 1970 وصولاً إلى لبنان “فتح لاند”، حتى غزة الاولى وغزة الثانية وهانحن في غزة الثالثة.
ـ ثالثًا: توطيد سلطة حزب الله في لبنان، على حساب انتفاضات اللبنانيين، وخبز اللبنانيين، ولحساب سلاح حزب الله الذي لابد ويستخدم في الشارع اللبناني، مرة عبر الرصاص المباشر، وثانية عبر التلويح بالرصاص، وبالنتيجة:
ـ تأبيد الانهيار اللبناني.
واليوم، هاهو اسماعيل هنيه يخطب، ومن أين؟
من الدوحة.
من معقل الاخوان المسلمين، وللعالم العربي مايكفي من التجارب مع جماعة الاخوان.
جماعة الاخوان وقد أجهضوا “الثورة االسورية” بإزاحتها إلى العسكرة بالشراكة مع نظام العسكر في دمشق.
جماعة الاخوان، وقد اختطفوا ميدان التحرير في القاهرة لصالح العصابة، فأعادوا العسكر الى الحكم، عبر عودتهم للاستيلاء على الشارع.
والاستثمار في دم الناس يستمر، والأناشيد ترتفع، وليس على الفلسطيني سوى أن يقف ووجهه للموت وظهره الى الحائط.
هاهو التاريخ يعيد نفسه، ليس كما يقول ماركس:
ـ مرة بمأساة وثانية بالسخرية.
لا في كلا التجربتين:
المأساة وقد تتلوها المأساة لتتلوها المأساة.