طهران في دمشق: زواج الصومعة بالثكنة

كان السؤال:

ـ هل ستطول إقامة طهران وحرسها الثوري في العاصمة السورية؟

والسؤال وجهه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى لثلاثة من باحثيه وهم على التوالي: “علا الرفاعي، و نكيسا جهانباني، ومهدي خليجي”، وكان واضحًا من إجابات الثلاثة أن ليل سوريا سيطول، ولكل منهم سببه في نبوءته.

علا الرفاعي أحالت توقعها إلى أنه و”خلال السنوات العشر الماضية، استعانت طهران بالبنية التحتية الدينية الشيعية القائمة في سوريا وبنت أخرى خاصة بها”. وفي بعض من التفاصيل “بخلاف الوالد الراحل لبشار الأسد، الذي كان يتمتع بنفوذ أكبر في العلاقة الثنائية، تنازل الرئيس الحالي عن قسم كبير من سيطرته على الأمور الدينية لصالح “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني”. والأهم أنه “بعد سنوات من التدهور في النظام والجيش في سوريا، تُراهن إيران على الهيمنة الاستراتيجية وليس على إقامة تحالف”. ولابد أن يأتي ذلك “من خلال الترويج للإسلام الشيعي الإثني عشري كجزء لا يتجزأ من الهوية الشيعية السورية”، فـ “تفُغيّر طهران السياق الاجتماعي للبلاد”. ومن النتائج أنه “خلال السنوات القليلة الماضية اعتنق آلاف السوريين هذا الفرع من الإسلام، ويعود السبب في الكثير من الحالات إلى أن ذلك يمنحهم معاملة أفضل من قبل الميليشيات المدعومة من إيران في وقت لا يزال فيه الوضع الاقتصادي مزرياً.  “

مع مراجعات شديدة الوثوقية فما حدث اليوم هو التالي ” اليوم تضم البلاد ما لا يقل عن 70 من هذه المدارس. وتستقطب هذه المؤسسات الأفراد الشيعة من كافة الجنسيات، ويصبح الكثير منهم مواطنين سوريين في النهاية. فضلاً عن ذلك، غالباً ما تتجنب هذه المدارس التسجيل في وزارة الأوقاف السورية، مما يمنح إيران سيطرة كاملة على مناهجها التعليمية.  “

كان هذا في استثمار العقيدة، فماذا عن الاستثمار في العسكرة؟

نيكيسا جهانباني تذكر معلومات تفيد بأن الاستثمار في العسكرة “ازداد” مع ما أسمته بـ “القوة الناعمة”، وفي ” مشاركتها العسكرية غير المباشرة في سوريا منذ عام 2015. وقبل ذلك، اعتمدت طهران على المشاركة العسكرية المباشرة، لكن الخسائر الفادحة التي تكبدتها أرغمت “الحرس الثوري” الإيراني على الانتقال إلى أساليب غير مباشرة على نحو أكبر لتحقيق أهدافه”.

وللإيضاح ” تمثل الميليشيات الوكيلة مكوناً أساسياً في استراتيجية إيران الكبرى، مما يمكّنها من مواجهة خصومها بالإنكار، وتقليل التداعيات على سمعتها، وترسيخ نظرتها العالمية في أوساط المجتمعات الشيعية في الخارج. وفي الوقت نفسه، تستفيد الميليشيات المعنية من الأسلحة التي تتلقاها والتي لم يكن بإمكانها الحصول عليها، مما يعزّز قوتها مقارنةً بالجماعات المنافسة”.

وفي السنوات الأخيرة “انقسم دعم إيران للميليشيات إلى فئتين أساسيتين: حركية وغير حركية. وبلغ الدعم الحركي ذروته بين عامي 2015 و2016 تقريباً وانطوى على مشاركة مباشرة من قبل القوات العسكرية الإيرانية. أما الانخراط غير الحركي، والذي أصبح أكثر شيوعاً الآن، فيستلزم مساعدة الميليشيات في التجنيد وتزويدها بالأموال، من بين أشكال الدعم الأخرى. ويفسِّر معدل الوفيات الكبير في صفوف “الحرس الثوري الإسلامي” في سوريا جزئياً هذا التحوّل إلى الدعم غير المباشر، غير أن العقوبات الخارجية ربما تكون قد لعبت دوراً أيضاً”.

ومع تخطي العامل الاقتصادي، والذي تجاوز عنه الباحثون، سيعود مهدي خلجي إلى العامل العقيدي، فطهران ترغب بـ ” أن ترى المزيد من السوريين يعتنقون المذهب الشيعي، وقد اتخذ وكلائها خطوات لتسهيل تحقيق هذا الهدف. وفي هذا السياق، أصبحت “التقيّة” أكثر انتشاراً على المستوى المحلي. وعندما واجه السوريون ضغوط شديدة لتغيير معتقداتهم، استجاب العديد منهم لهذه الضغوط بشكل غير علني من أجل تلقيهم معاملة أفضل من الميليشيات المدعومة من إيران، ولكن من دون الإفصاح عن ذلك علناً”.

في الخلاصات، زواج الصومعة مع الثكنة، كان عاملاً أساسيًا في تشديد القبضة الإيرانية على سوريا، وكان الاعتقاد السائد، أقله ما بين صفوف المعارضات السورية، بأن موسكو ستلعب دورًا محوريًا في رفع القبضة الإيرانية عن سوريا، فهل كان مثل هكذا اعتقاد صائبًا؟

قد تأتي الإجابة من الصين هذه المرة،  ولكي لانستفيض بالشروحات يكفي النظر إلى التشكل العالمي الجديد.. إلى المعاهدة الإيرانية ـ الصينية، التي لن تستكمل إلاّ بإضافة روسيا لتكون الضلع الثالث في مثلث المور الجديد.

يظهر أن ليل دمشق سيكون طويلاً جدًا.

Exit mobile version