مرصد مينا – هيئة التحرير
أسبوع كامل، والصدمة ماتزال مخيمة على الشارع العراقي بعد تداول فيديو صوره عناصر من الشرطة العراقية، لوفاة طفل على الرصيف بسبب البرد والجوع، في مشهد مؤلم، لا سيما مع ظهور شقيقه وهو يحتضنه ويرفض وداعه.
الفيديو وبحسب ما يقول المحلل السياسي، “أشرف السامرائي”، وبكل ما يحمله من مأساة وألم، يتجاوز الحالة الإنسانية، إلى ضرورة البحث في الأسباب، التي أوصلت أطفال العراق، العائم على بحرٍ من النفط، إلى تلك الحالة، خاصةً وأن قضية أطفال الشوارع والمشردين والجوعى، لم تعد حالات فردية أو مجموعات محدودة، وإنما باتت ظواهر تنتشر في كافة مدن البلاد، من شمالها إلى جنوبها، على حد وصفه.
ويصنف العراق كثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، حيث يصل حجم صادراته إلى 3,5 مليون برميل يومياً، بحسب إحصائيات 2019. مرصد مرصد ينا ممن جهته يعتذر عن نشر الفيديو الخاص بالطفل العراقي لما فيه من مشاهد قاسية جداً ومؤلمة.
فتش عن الميليشيات وإيران
عادة ما ترتبط المجاعات والفقر بالعوامل الاقتصادية أو الحروب، إلا أنه في الحالة العراقية وكما يرى “السامرائي”، مرتبط بحالة تخريبية وسياسة ممنهجة، تمثل الميليشيات الحلقة الرئيسية فيها، لافتاً إلى أنه لم خافياً على أحد سواء في العراق أو في المنطقة عموماً، أن تلك الميليشيات تقود مشروعاً يهدف إلى ترسيخ التبعية لولاية الفقيه من خلال الفقر والجهل.
يشار إلى أن الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الحكومة العراقية، كشفت عن وجود 8 ملايين عراقي يعيشون في فقر مدقع، كما صنف العراق خلال العام الماضي في المرتبة 65 عالمياً في المؤشر العالمي للجوع.
المخطط التخريبي للعراق، يرجعه “السامرائي” في حديثه مع مرصد مينا، إلى طبيعة التعاطي الإيراني مع مناطق نفوذها في المنطقة العربية، والتي تقوم على أولاً على تعويض خسائرها الاقتصادية عبر ثروات تلك المناطق وتحديداً العراق، وترسيخ نمط من الجهل يسهل إدخال الأفكار الإيرانية إلى عقول الأهالي، بالإضافة استغلال الأطفال تحديداً وحالتهم المالية الصعبة لتجنيدهم ضمن صفوف الميليشيات المدعومة منها، بالإضافة إلى استغلال حالة الفقر العامة لترويج أفكار طائفية، على حد وصفه.
ويضيف “السامرائي”: “انظر إلى سوريا والعراق واليمن ولبنان، كلها تجتمع في خانة واحدة من الفقر والجوع، بالإضافة إلى عمليات تجنيد الأطفال والأزمات المعيشية”، مشيراً إلى أن تلك هي عوامل ترسيخ المشروع الإيراني في أي منطقة تستهدفها إيران.
بعيداً عن السلطة قريباً من المال
تأكيداً لدور الميليشيات في ما يعانيه العراقيون، يذهب المحلل الاقتصادي، “إبراهيم النجيفي” إلى الحديث عن عمليات الفساد المتعلقة بالدرجة الأولى بأموال وعائدات النفط، لافتاً إلى ان دور الميليشيات في العراق لا يقوم فقط على فكرة قمع معارضي إيران وفرض نفوذها بقوة السلاح، وإنما في تشكيل مظلة حامية لرجالات إيران في مفاصل الاقتصاد العراقي، وتحديداً في وزارة المالية والبنك المركزي.
كما يلفت “النجيفي” إلى أن دور الميليشيات في الفقر والجوع والمآسي، يمكن تأكيده من خلال ما يحدث في البنك المركزي من عمليات اختفاء لملايين الدولارات من عائدات النفط، والتي لا أحد يعرف مصيرها أو يجرؤ على السؤال عنها، مشيراً إلى أن الكثير من الموظفين الذين حاولوا السؤال باتوا في عداد الأموات أو المعتقلين بتهمة “رجال السفارات”، في إشارة إلى العمالة مع دول غربية.
وكانت وثائق مسربة قد كشفت عن تهريب 200 مليون دولار من عائدات النفط بشكلٍ يوميٍ، من البنك المركزي إلى المصارف الإيرانية، والتي تغطى بطلبات تمويل مستوردات وهمية، علماً أن القانون العراقي يضع سقف تمويل يومي يصل إلى 70 مليون دولار.
هنا يشير “النجيفي” إلى أن هذا الحجم من عمليات الفساد وبهذا الشكل العلني، لا يمكن أن يتم إلا بوجود داعمٍ قادرٍ على منع القانون من محاسبة الفاسدين، لافتاً إلى ان الميليشيات في الحالة العراقية هي الجهة الوحيدة القادرة على حماية الفاسدين، خاصةً وأنها تتحكم طيلة سنوات بكامل مفاصل الدولة بما فيها الأمنية والقضائية.
في السياق ذاته، يؤكد “النجيفي” أن إيران كانت حريصة خلال السنوات الماضية، على إبعاد رجالاتها المعروفين وزعماء الميليشيات، مثل “مقتدى الصدر” و”قيس الخزعلي” وحتى نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي السابق، “أبو مهدي المهندس” عن أي منصب رسمي، مع إبقائهم قريبين من المناصب المالية عبر وكلاء لهم يمثلون اليد الطولى بالاقتصاد العراقي.
خطوة إلى الجنوب حيث عاصمة الميليشيات
“بصمات الميليشيات في معدلات الفقر والجوع والبأس، تظهر بشكل واضح، في مدينة البصرة العراقية، والتي تعتبر عاصمة الميليشيات ومنبتها”، يقول الباحث في الشؤون العراقية، “محمد العبيدي”، لافتاً إلى أن المدينة العائمة على بحر من النفط تعيش واقعاً معيشياً وخدمياً صعباً يتناسب عكساً مع ما تملكه من ثروات.
يشار إلى أن مفوضية حقوق الإنسان في العراق، قد كشفت العام الماضي، عن ارتفاع معدلات الفقر في مدينة البصرة إلى 40 بالمئة، لا سيما في ظل تصاعد الأزمة الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
إلى جانب ذلك، يبين “العبيدي” أن البصرة تصنف كأكبر مدن البلاد النفطية، وأهلها لا يجدون ما يأكلوه، مشيراً إلى أن هذا الحال يفسر سبب مشاركتها القوية في الانتفاضة العراقية ضد الميليشيات ومطالبة أبنائها بالحد من انتشار السلاح خارج الدولة العراقية.
وكانت البصرة قد شهدت خلال العام الماضي، عدة مواجهات بين المتظاهرين وعناصر ميليشيات مسلحة، لا سيما الميليشيات التابعة للتيار الصدري، ما أدى إلى مقتل العشرات منهم، ما دفع السلطات العرقية إلى الإعلان في كانون الأول الماضي، عن حملة واسعة لضبط السلاح المنفلت، على حد وصفها.
كما يؤكد “العبيدي” أن البصرة عملياً خارج حكم الدولة العراقية وإنها تدار منذ سنوات طويلة بسلاح الميليشيات وقرارها، لافتاً إلى أن أبرز معالم نظام الحكم في العراق بعد 2003، أنه قام على مبدأ غياب الدولة وهيمنة ما يعرف بالدولة العميقة، وهو ما تعزز بعد الانسحاب الأمريكي عام 2010، بموجب الاتفاقية الأمنية.
ويلفت “العبيدي” إلى أن العامل الرئيسي في ترسيخ ذلك المبدأ يقوم على المصالح الإيرانية، موضحاً: “إيران ليس فقط في العراق وإنما في مكان تتواجد فيه تتجنب فكرة دعم الحكومات وإنما تسعى إلى إدارتها من خلال ميليشيات أو قوى مسلحة تكون بعيدة شكلياً عن أماكن اتخاذ القرار، كالمنصاب الوزارية أو المناصب العليا في الدولة”، مشيرا إلى أن لجوء إيران إلى هذا النظام، يهدف إلى تحويل رجالها إلى زعامات بدلاً من أن يكونوا مسؤولين، لافتاً إلى أن هذا الشكل من الإدارة مكن زعماء الميليشيات في العراق من إحاطة أنفسهم بآلاف المؤيديين، سواء بالخطاب الديني أو الوطني، كما مكنهم من عزل أنفسهم عن أي ملفات أو قضايا ضد المسؤولين العراقيين في حال عجزت الميليشيات عن حمايتهم.
أما النقطة الأهم في كل ذلك، يذكرها “العبيدي”، بأن نظام اللادولة والزعامات، مكن العديد من قادة الميليشيات من مواجهة الانتفاضة العراقية المندلعة منذ أكثر من عام ونيف، بسلسلة كبيرة من الموالين، الذين تولوا مهمة اقتحام الاعتصامات والاعتداء على المتظاهرين، كما هو حال ما يعرق بأصحاب القبعات الزرقاء، الموالين للتيار الصدري.