مرصد مينا
من المضحك أحياناً، والمبكي في كل الأحيان، الكلام عن “موقف عربي موحّد”، وهو مضحك لخلل في المصطلح، ومُبكي لتلك النتائج التي تصدم الحالمين بما لا حقيقة له بل لا إمكانية ليكون حقيقة.
ـ نظام عربي؟
بما يعني مؤسسة توحّدها الفكرة القومية، أما الفكرة القومية فهي كما “الفكرة الدينية”، لا تكفي لتكون حاملاً لمصير مشترك ما بين معتنقيها، أو خياراً مشتركاً، وهذه أوروبا المسيحية خاضت حروباً بمواجهة أوروبا المسيحية عبر سلسلة من الحروب، ربما ما بات راسخاً منها في الذاكرة الجمعية، حربان عالميتان فتكت بملايين الجنود والضحايا بما لا يدع مجالاً للقول بأن “الدين” يوحّد المصير، وكذلك “الفكرة القومية” بمثالها العربي الذي تتوزع دوله إلى كيانات بهويات متباينة إلى حدود التناحر، وبخيارات لا تتشابه في معظمها، وأبسط أمثلتها أن الافتراض يقضي بأن يكون للعراق وسوريا خياراً واحداً، بل وهوية واحدة، فيما لم يكن تاريخ البلدين الحديث سوى تبادل المفخخات والاقتتال، وكان من رموز مفخخاتهما الاغتيالات المتبادلة لسنين طوال، جعلت المرور بمحاذاة حاويات أيّ من البلدين مجازفة قد تطال حياة العابر، وليس حال الجزائر والمغرب بأفضل حالاً، فيما عروبة سوريا / لبنان، لم توحّد بقدر ما فرّقت حتى بات تسوّق سوري في بعلبك اللبنانية يعني “احتلالاً”، والكلام هذا ربما يأتي لمناسبة قمة جدّة، وقد جمعت “القومي، بالإسلامي” لمناصرة غزة، ليكون المطلوب منها هو “اللاممكن”، و “اللاممكن” هذا يأتي على ألسنة جمهور واسع من الناس الحالمين، فيتحوّل الحلم إلى “مضحك ، مبكي”، وقد اجتمع مندوبو 57 دولة عربية و إسلامية، لا رابط يجمع عربها سوى لغة واحدة بلهجات متعددة، قد يحتاج فهم الواحدة منها للأخرى إلى ترجمة محلّفة، هذا إذا استخدم مواطنوها لهجاتهم دون الاتكاء على ميراث الدراما المصرية وقد باتت مفهومة للعرب عبر منجزات عادل إمام، وكذا “باب الحارة” الدمشقي، وقد فتك بتاريخ دمشق وقعّر لهجتها حتى باتت لهجة بالغة الفظاظة، وهذا ليس حال الدمشقيين.
اجتمع القادة والزعماء وتوافقوا على التوافق، أما التوافق فكان على ما يفترض أن يكون حقوقاً صريحة لا التباسات فيها، ومن بين هذه الحقوق أو ما ينجز حقوقاً كان الكلام عن “حلّ الدولتين” بما يعني حلّ المشكلة الفلسطينية بتجاور دولتين، إحداهما يهودية صافية، والثانية عربية بديانات مختلفة، ولا بد أن هذا هو الحلّ الوحيد الممكن والعقلاني، ما بعد حزمة حروب لم تنصر حقاً، ولم تُعِد للفلسطيني وطناً، لتوسع الخيمة، وتشتت الحاضرة، وهو حلّ، حتماً لن يكون بالوسع الوصول إليه بالسهولة التي يمكن لأي أن يعتقدها، فالإسرائيليون بـ “يمينهم”، و بـ “فاشية” العقيدة، لن يبتلعوا الأمر كما الدواء، مرّ ونافع، بل إذا ما ابتلعوه فكمن يبتلع سمّاً، أما الوصول إليه فلا بد ويقتضي موقفاً دولياً ضاغطاً على الإسرائيليين بما يجعلهم يخضعون خضوعاً للحل الذي يعني “أفول العقيدة” لحساب حقائق القوّة.
امر كهذا يستدعي “الكفاح” على خط السلام، بديلاً عن “الجهاد” لحساب الحرب، وثمة من يعرف الطريق إلى هذا الكفاح من عرب لم توحّدهم العروبة، بل وليس مطلوب منها أن توحّدهم، بالقدر المطلوب أن تفتح أعينهم على حقائق العصر التي ترى في “السوق” دوافع التوحّد، وفي تبادل البضاعة “دوافع التوحّد”، وفي الاستثمارات المتبادلة “دوافع التوحّد” ولنا في الاتحاد الأوروبي مثالاً وهو اتحاد لم يسبق له أن رفع شعار:
ـ أمّة أوروبية واحدة، ذات رسالة خالدة.
لو رفع مثل هكذا شعار ربما لوجدنا المستشار الألماني أولف شولتز، يزرع المفخخات في حاويات باريس ليصطاد إمانويل ماكرون أو العكس.
عوضاً عن الشعار الفضفاض على شاعريته، اخترع الاوربيون عملة واحدة يحملها قطار يقطع أوروبا بلداً بلداً دون أن يخرج له عنصر من الفرقة الرابعة ويقول له:
ـ وين الحلوان؟