مرصد مينا – هيئة التحرير
مظاهرات جديدة تضرب الساحة الداخلية الإيرانية، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية والمعيشية في البلاد، وذلك وسط تحذيرات أطلقها محللون ومنظمات حقوقية دولية من انفجار شعبي كبير في إيران، بالتزامن مع فشل الحكومة بالتعامل مع ملف وباء كورونا على المستويين الصحي والاقتصادي.
وكانت التقارير الرسمية الإيرانية قد كشفت عن ارتفاع معدلات الفقر في البلاد إلى 40 في المئة، في حين رجح خبراء اقتصاد ارتفاع عدد العاطلين عن العمل مع نهاية العام الحالي إلى 5 ملايين شخص، حيث وصل العدد خلال أزمة كورونا إلى 2 مليون عاطل عن العمل.
الموت واحد
أمام صعوبة الحياة وارتفاع معدلات الفقر في واحدة من أغنى دول العالم بالمخزون النفطي، يجعل من الثورة نتيجة حتمية لممارسات 40 عاماً من القمع والتجويع وسرقة خيرات البلاد، تحت شعارات دينية وعرقية رنانة، بحسب ما يراه الناشط الإيراني المعارض، “محمد مشائي”، اسم مستعار، لافتاً إلى أن الأزمة الصحية والانسانية والمعيشية لا تعرف طريقها إلا إلى المواطن، وتسير بخط بعيد تماماً عن مسؤولي النظام ومطلقي شعارات الصمود والثبات وموجهة الأعداء.
وكان تقرير أمريكي قد كشف قبل أشهر أن المرشد الأعلى للثورة في إيران، “علي خامنئي” يملك ثروة تقدر بـ 200 مليار دولار، في حين تحتل إيران المركز الرابع عالمياً من حيث الاحتياطي النفطي، المقدر بحوالي 150 مليار برميل.
حالة التردي المعيشية أوصلت الشعب الإيراني بحسب ما يؤكده الناشط المعارض، إلى مرحلة اليأس وحفزت بداخله دوافع الثورة على الواقع، لا سيما وأن لا شيء من الشعارات التي يطلقها النظام منذ 40 عاماً، حيال القدس أو تصدير الثورة أو القضاء على الأعداء قد تحقق، مضيفاً: “إعدامات النظام للمعارضين والمتظاهرين لم تعد تجدي نفعاً، فالموت واحد سواء أكان جوعاً أو إعداماً”.
وكانت محكمة ثورة إيرانية قد قضت قبل يومين بالإعدام بحق ثلاثة ناشطين معارضين بتهمة العداء للثورة، بسبب مشاركتهم في مظاهرات تشرين الثاني الماضي، التي اندلعت احتجاجاً على غلاء الأسعار ورفع أسعار الوقود.
تعليقاً على الإعدامات، يكشف مصدر إيراني خاص لمرصد مينا بأن النظام الإيراني يخطط لإطلاق موجة من أحكام الإعدام بحق المتظاهرين والمعارضين خلال الفترة القليلة القادمة، لتكون عامل ردع لأي مظاهرات قد تخرج في البلاد، مؤكداً أن النظام الإيراني يدرك حالياً صعوبة قمع أي تحركات في الشارع، والتي قد تصل إلى مراحل متقدمة جداً، ربما تفاجئ النظام وأجهزته الأمنية.
لا “غزة” ولا “لبنان”
رفع المتظاهرين لشعار، “لا غزة ولا لبنان”، يعتبره الناشط “مشائي” مؤشراً على رفض كامل لدى الشعب الإيراني لسياسات النظام في الشرق الأوسط، بما فيها دعم الميليشيات والعمل على زرع الفوضى واستهداف دول الجوار، مؤكداً أن الشعب يطمح لدولة قانون تعيش بحالة حسن جوار مع بقية دول المنطقة وتكسر حالة العزلة الدولية، التي كانت كفيلة بإعادة البلاد أكثر من 500 عام إلى الوراء.
وتعاني إيران منذ عقود، من عقوبات اقتصادية وحصار بسبب سياساتها في المنطقة وطموحاتها النووية، بالإضافة إلى دعمها لميليشيات ومجموعات مسلحة مدرجة على قوائم الإرهاب، لا سيما حزب الله في لبنان والميلشيات المسلحة في العراق سوريا.
من جانبه يوضح المصدر، أن استخدام النظام للغة خطاب شعبوي ديني، كان يثمر سابقاً مع بداية وصول “خميني” إلى الحكم وتعزيز النزعة الطائفية والعرقية، أما اليوم، فالجيل الجديد يسعى لحياة أكثر انفتاحاً في ظل تكنولوجيا المعلومات وتطور وسائل الاتصال والحياة اليومية، مؤكداً أن الجيل الشاب بات يطمح للانخراط أكثر في موجة التطور العالمي، بعيداً عن الشعارات، التي يعود عمرها إلى أكثر من 1500 عام أو 2000 عام، واستعادة أمجاد من أزمان غابرة.
دعارة ومخدرات..
الحديث عن الفقر والجوع في إيران، يدفع الناشط “مشائي” لتناول مسألة انتشار شبكات الدعارة والمخدرات في العديد من المدن والمناطق الكبرى في إيران، مؤكداً أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة بائعات الهوى، اللاتي اخترن تلك المهنة للحصول على لقمة العيش، في ظل الفقر والبطالة وعدم وجود فرص عمل تؤمن لهن حياتهن.
كما يشير “مشائي” إلى أن الدعارة خاصةً في العاصمة، طهران، ليست وليدة السنوات الخمس الماضية، وإنما بدأت بالانتشار بشكل كبير بعد تولي “علي خميني” الحكم عام 1979، موضحاً: “الدعارة في إيران كانت منتشرة منذ أيام الشاه، وكانت حكراً على بعض النساء اللاتي قررن امتهانها وفي مناطق محددة ومحصورة من البلاد، ولكن عقب ثورة خميني، وعلى الرغم من تجريمها قانونياً، زادت رقعة انتشارها بسبب الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وباتت تمارس عبر أنشطة سرية وشبكات مختصة”.
ويفرض القانون الإيراني عقوبات صارمة تتراوح بين الغرامة أو السجن، في حين تشير الإحصائيات غير الرسمية إلى أن عدد العاملات بالبغاء في العاصمة فقط وصل في العام 2002 إلى 85 ألف فتاة.
في السياق ذاته، يكشف المصدر الخاص بمرصد مينا، أن كثير من تلك الشبكات، التي ترعى عمل شبكات الدعارة، يديرها مسؤولون في النظام ويوفرون الحماية لها، لافتاً إلى أن من بين تلك الشخصيات، رئيس شرطة طهران، “رضا زارعي”، الذي ألقي القبض عليه متلبساً، في الفترة التي كان فيها متواجداً على رأس عمله عام 2008، في بيت دعارة.
على مستوى المخدرات، يشير المصدر إلى أنها ليست بأفضل حال من شبكات الدعارة، مؤكداً أن النظام الإيراني يستغل حالة الحدود المنفلتة مع دول الجوار، لإدخال وإخراج شحنات المخدرات، خاصةَ القادمة من أفغانستان، التي تعتبر الموطن الأول لزراعة الحشيش وتجارة المخدرات.
وسبق للناطق الرسمي لمركز مراقبة المخدرات، “بارفيز أفشار”، أنّ كشف عن وجود 2.8 مليون شخص في إيران يتعاطون المخدرات بانتظام، وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الصحفية، إسنا.
كورونا وردود الفعل
على الرغم من انتشار وباء كورونا في كافة أنحاء العالم، إلا أن انتشاره كان له وقع خاص في إيران، يقول الناشط، “مشائي”، لافتاً إلى أن الوباء كشف ضعف المنظومة الاقتصادية والصحية، كما أنه عكس حالة الترهل والعجز لدى النظام، بعد أن وصلت أعداد الإصابات والوفيات إلى مئات الآلاف، وارتفاع معدلات البطالة.
وكان الاقتصاد الإيراني قد خسر حوالي 15 في المئة، بسبب إجراءات الإغلاق العام، التي فرضتها الحكومة لمواجهة المرض.
في السياق ذاته، يؤكد المصدر الخاص، أن الحكومة الإيرانية غير قادرة على تحمل تبعات اقتصادية لموجة انتشار جديدة للوباء، وأن الاقتصاد قد ينهار في أي لحظة إذا ما قررت الحكومة فرض إجراءات إغلاق جديدة، موضحاً: “بكلا الحالتين النظام سيواجه موجة غضب شعبي عارمة، وبدوره سيرد عليها بقمع مضاعف ما سيغرق البلاد بالدماء”.
وكان مجلس العمل الإيراني، قد أكد أن تكاليف الحياة خلال أزمة انتشار كورونا، قد باتت تستهلك ثلثي دخل الأسر، في حين تشير تقديرات شبه رسمية إلى أن عدد العاطلين عن العمل وصل إلى قرابة مليون شخص بسبب أزمة كورونا.
من جهته، يذهب المعارض الإيراني “محسن سزيغارا” إلى ترجيح قيام ثورة جياع جديدة في إيران قد تفاجئ النظام وتفوق قدراته عل قمعها، مشيراً إلى وجود أخطاء جسيمة من قبل الحكومة في إدارة ملف التصدي لكورونا.