مع كل نكبة يُظهِر نظام الأسد أفراحه، أفراحاً بلغة “البعث”، تلك اللغة التي جثمت على سوريا مايزيد عن نصف قرن، تحوّلت معها إلى لغة البلاد، كل البلاد، بمن فيها لغات معارضات النظام، فالإعلام ليس إعلامين والخطاب ليس خطابين، فهما إعلام واحد وخطاب واحد، وحدث الزلزال برهن بكل الأدّلة أن البلاد محرومة من خطاب عقلاني.
الزلزال حدث طبيعي، ولكن ما بعده استدعى ليكون غير ماقبله، سوى أنه جاء ليوطّد للنظام نصراً، في جزء منه هو نصر واهم، وفي الجزء الآخر، هو “نصر في اللحظة”، لانصر على اللحظة، والدليل أن من شرّدهم الزلزال مازالوا مشردين، وبأن حكومة النظام لم ترسم ولا خريطة واحدة لانتشال من لم تقع الخرسانات على رأسه، من أن يُنتّشل من الرصيف أو تُقدم له معونة، أيّة معونة، حتى ولو كانت مجرد وعد، من نظام يكذب كلما تنفس.
وحدها دولة الإمارات قدمت لمتضرري الزلزال ممن تهدمت بيوتهم، ما يكفي لإعادة إعمار بيوتهم المهدمة، وكل المعلومات تقول بأنه ما من خطة لاعادة إعمار هذه البيوت، إلاّ عبر قروض مجحفة يشتغل فيها النظام بعقله “الربوي” بحيث لاينتشلهم من الشارع إلاّ بإغراقهم بديون مستحيلة السداد مع أن الأموال التي تبرعت بها دولة واحدة وهي دولة الإمارات كافية لإعادة إعمار هذه البيوت، هذا عداك عن الهبات التي قُدمت من دول أخرى، وتحوّلت إلى سدنة النظام لتضاف إلى أموال الشعب المنهوبة وكان النظام قد ثابر على نهبها منذ حكم البلاد إلى اللحظة الراهنة وقد بات مطمئناً إلى كونه لن ينزاح عن رقاب العباد.
للمرة الألف ثمة من يتساءل:
ـ ما الذي يعنيه إعادة تأهيل النظام؟ وللمرة الألف تأتي الإجابة باستحالة تأهيل هذا النظام سوى ليستعيد سطوته على الناس؟ ومع كل تساؤل يأتي السؤال اللاحق:
ـ هل سيغيّر النظام من سلوكه؟ وهل سيغيّر من تحالفاته؟ وهل بوسعه أن يكون جزءاً من المجموعة الدولية بما يجعل شعبه يرتاح؟
صلته بـ “النهب” تتوطد يوماً بعد يوم وقد برهن على هذه الصلة ما بعد الزلزال.
وصلته بالإيراني والملالي تتضاعف وتتوطد، وما من عاقل بوسعه الرهان على أن نظام كهذا بوسعه فك الارتباط مع الايرانيين وقد وهبهم جيشه ومدنه وحسينياته ومساجده، حتى بات الإيراني هو المالك الفعلي لمدن سورية بكامل ناسها وممتلكاتها.
وفي كل لحظة يشتغل فيها النظام على توطيد الإيراني، لابد ويبتعد عن الصف العربي والهمّ العربي، وسبق أن راهنت العربية السعودية على فك ارتباط النظام مع ملالي إيران وكانت النتائج أن وصف الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، أن وصف بشار الأسد بـ “الكاذب”.
بشار الأسد مازال “الكاذب”، وقد أضيف إلى صفته هذه حزمة من الصفات، من بينها “القاتل، والناهب”.
وما لايُصلح جلّه لايُصلَح كلّه، فعلى ماذا يراهن عرب إعادة تأهيل بشار؟