إذاً بعد سجال وجدال ومظاهرات عارمة، تعلن الهئية المستقلة للانتخابات في الجزائر أن خمسة فقط من بين المرشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية قد طابقوا الشروط المحددة للترشح المنصوص عليها في القانون الدستوري، وهم رئيس حزب جبهة المستقبل “عبد العزيز بلعيد”، وزير السياحة الأسبق “عبد القادر بن قرينة”، ووزير الثقافة السابق “عز الدين ميهوبي”، بالإضافة إلى رئيسي الوزراء السابقين “علي بن فليس” و”عبد المجيد تبون”.
بالنظر إلى هوية المرشحين الخمسة وسيرهم الذاتية، يمكن القول وفقاً لمحللين، بأنهم فعلاً تطابقوا مع نصوص القانون، إلا أن أهم شرط من شروط الترشح قد سقط عنهم، وهو شرط الشارع الجزائري، الذي طالب باستبعاد كافة رموز النظام السابق، ما دفع الكثير من المعلقين لوصف الانتخابات القادمة بأنها مجرد عملية لإعادة انتاج النظام من جديد، لا سيما وأن المرشحين الخمسة شغلوا مناصب من الصف الأول فيه.
ملامح ثورة جديدة وأحجار الدومينو
قراءة المشهد الجزائري وبكامل تفاصيله الممتدة منذ مطلع العام الحالي وحتى اليوم مروراً بأحداث إسقاط العهدة الخامسة للرئيس “عبد العزيز بوتفليقة” وإجباره على الاستقالة وتواصل المظاهرات المطالبة باسقاط بقية أركان الحكم، دفعت الكثير من المحللين السياسيين للتأكيد بأن إعلان هوية المرشحين الخمسة المتصلين بنظام “بوتفليقة” سيمثل نقطة انطلاق لثورة جديدة تستهدف هذه المرة قائد الجيش، الذي يعتبر المحرك الأول للأمور في البلاد، والداعي الأكبر لإجراء الانتخابات.
وأشار المراقبون إلى أن الشارع لن يقبل ولن يرضخ لسياسة الأمر الواقع، لا سيما وأن نتائج الانتخابات بشكلها الحالي وبغض النظر عن الفائز فيها، لا تحمل سوى عنوان واحد فقط، وهو “إنعاش العهدة لنظام بوتفليقة”، حتى وإن كان بشخصية تختلف من الناحية الشكلية والإسمية عن شخص الرئيس السابق، على حد قولهم.
ولفت المراقبون إلى أن طبيعة تركيب النظام الجزائري تقوم على أساس أحجار الديمينو، بمعنى أن سقوط أحد المسؤولين يعني سقوط الجميع بالضرورة، وبقاء واحد يعني بقاء الجميع، موضحين: “عودة أحد أركان النظام السابق كرئيس منتخب سيؤثر بشكل مباشر على محاكمة المسؤولين السابقين، خاصة وأن سلسلة الفساد والانتهاكات في البلاد كانت مرتبطة بالمنظومة الحاكمة وليس بأشخاص، وبالتالي فإن أي مرشح من المرشحين الخمسة سيراعي قضية أنه كان جزءا من منظومة النظام السابق، وأن اسمه قد يظهر في إحدى القضايا الموجهة لزملائه السابقين”.
بناءاً على ذلك، أشار المراقبون إلى أن الشارع الجزائري ومع هذا الإعلان عن المرشحين سيوجه بوصلته نحو ثورة جديدة ضد العسكر، خاصة وأنه يرفض إجراء الانتخابات حتى بغض النظر عن هوية المشاركين، محذرين من أن تتخذ هذه الثورة طابع عنف وقمع، على اعتبار أن قائد الجيش “أحمد قايد صالح”، الذي كان له دور في الإطاحة بالرئيس السابق، سيعتبر أنه المستهدف من الثورة الجديدة وأنه بات على الضفة الأخرى من المطالب الشعبية.
“لا” واضحة وتفاعلات الكترونية
بعيداً عن التحليلات والتخمينات، يبدو أن الشعب الجزائري قال كلمته، أو بشكل أصح أكد على خياره برفض الانتخابات الرئاسية، حيث عبر مجموعة من المعلقين الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي عن رفضهم الكامل للانتخابات ومرشحيها، فقد كتبت إحدى المعلقات باسم “سارة” على تويتر: “قديم ملمع هم الخمسة المقبولة ملفاتهم في الانتخابات الجزائرية القادمة و خاب ظن كل منتظر”، في إشارة مباشرة إلى اعتبارها أن تمرير الانتخابات يعني سقوط الحراك وانجازاته.
أما “محمد” فقد غرد منتقداً الأداء الإعلامي الجزائري: “أين كلمة الحق والقلم، أين حرية الرأي و الرأي الآخر أين الصحافة الحرة؟، الحراك الشعبي هو جزء من الحدث المهم الذي يجب تغطيته على القنوات الجزائرية، كيف لكم نقل و تغطية من يريدون الإنتخابات وعدم نقل صوت من لا يؤيدونها، سجل يا تاريخ1نوفمبر 2019 سكوت الإعلام في ايصال صوت الحق”.
من جهتها أعربت الإعلامية الجزائرية “مريم بلعالية” عن رفضها للانتخابات بنشر صورة على موقع تويتر تظهر خمس نسخ من الرئيس الجزائري السابق “عبد العزيز بوتفليقة”، في إشارة إلى أن جميع المرشحين يُعتبرون امتداداً ووجوداً فعلياً للنظام السابق، وهي الصورة التي لاقت انتشاراً كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي بعد إعلان أسماء المرشحين المقبولين في الانتخابات.
إلى جانب ذلك، تمثل الرفض الشعبي بامتناع العديد من الكتل السياسية عن تقديم مرشح لها خلال الانتخابات القادمة، كحركة مجتمع السلم المدني وأحزاب سياسية أخرى.
على الطريقة اللبنانية “كلن يعني كلن، وقائد الجيش منون”
مشهد الرفض الأكبر والمعبر بشكل واضح عن رأي الشارع بالانتخابات، استبق إعلان الهيئة بيوم واحد، حيث احتشد يوم الجمعة الماضي، أكثر من 100 ألف متظاهر جزائري رفضا للتدخل العسكري في شؤون البلاد وعلى رأسها، قضية الانتخابات الرئاسية، معتبرين أنها قضية سياسية لا علاقة للجيش وقادته فيها.
كما أن امتداد مطالب المحتجين إلى وقف تدخل الجيش في الحياة السياسية عبر قائده “أحمد قايد صالح”، وإزاحة النخبة الحاكمة بشكل كامل، أشار إلى تكرارٍ واضح للتجربة اللبنانية التي يهتف المحتجون خلالها بشعار “كلن يعني كلن”، ليبقى الفرق بين الشعارين أن شعارات الجزائر تستهدف قائد الجيش بشكل مباشر، ما يؤكد على أن الثورة القادمة أو ما يمكن تسميته امتداد الثورة قد يصطدم بالعسكر، خاصة وأن معظم الموجودين في السلطة اليوم يحتفظون بمناصبهم منذ عقود بدعم من الجيش.
وجهة النظر المحذرة من خطورة سير الأحداث في الجزائر والصدامات واشتعال الاحتجاجات بوتيرة أقوى، دعمتها الإحصائيات شبه الرسمية التي أشارت إلى أن عدد المشاركين في مظاهرات الجمعة الماضية، في عموم الجزائر يعادل ضعف العدد الذي شارك في المظاهرات خلال الأسبوعين السابقين، ما يشير بشكلٍ أو بآخر إلى أن المظاهرات الأخيرة حملت رسالة واضحة للمسؤولين في السلطة الجزائرية أن الأمور ستأخذ منحاً تصاعدياً.
ويتمثل الخلاف بين السلطة والحراك الجزائري الشعبي، بتمسك الأخير بعدم إجراء أي انتخابات رئاسية في البلاد قبل خروج كامل صقور النظام السابق ومنهم الرئيس المؤقت وقائد الجيش، إلى جانب دخول البلاد بفترة انتقالية تفضي إلى انتخابات عامة، في حين تصر السلطة ومن خلفها قائد الجيش على إجراء اللانتخابات أولاً لتولى بعدها الرئيس المنتخب مهمة تحقيق مطالب الشعب.
مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي