ربما لم يشهد تاريخ الدولة العربية الحديث شخصية بعناد وصلافة، بل وبجبروت صدّام حسين، وربما لم يشهد كذلك ميتة كما ميتته وهو يتأرجح على الأنشوطة، سوى ميتة معمر القذافي.
مشهد لايسعد حتى الشامتين، غير أنه بات من وقائع الحياة التي لابد وتعطي درسًا.
الدرس لم يصل بعد إلى مسماع أو نظر علي خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، فالرجل محاط بهالة من القداسة، تحجب عنه معطيات ما تحمله الحياة، وهي الحياة التي لاتقوم سوى على توازن القوة إذا كنت من المحاربين، ولا تستقيم إلاّ بالحكمة إذا كنت من المسالمين، ويبدو من المشهد أن علي خامنئي لايمتلك قوة المحارب، ولا حكمة المسالم، ولو لم يكن الأمر كذلك لجنّب بلاده العقوبات القاسية التي قادتها إلى المجاعة، ولجنبها احتمالات أن تدخل حربًا لن تعني سوى دمارها، وفي كلا الحالين، ليس من نصر يظهر سوى خطاباته التي لن يكون لها قيمة حين تأتي لحظة الاحتكام الى السلاح.
عمرو موسى يحكي في كتاب صدر حديثًا عن جملة لقاءات كانت له مع الرئيس صدام، ومن بين ماجاء في الكتاب أن عمرو موسى نصح صدام بالقول:””فقدت أثناء الحوار السيطرة على أعصابي وصرخت بوجهه.. أسمع بقى يا سيادة الرئيس.. التنظير لن ينفع العراق ولن ينفعك بكل صراحة. أنا بقولك العراق معرض لضربة قاصمة من الولايات المتحدة القوة الكبرى الأولى في العالم.. هل أنت واع بأن بلدك معرض لهذا الخطر الداهم؟.. هل أنت واع لمسؤوليتك في تجنيب العراق هذه الويلات؟”.
يظهر أن علي خامنئي يعيش عزلة الدكتاتور، وفي تلك العزلة لم يسمع من يقول له:”اسمع يافضيلة الإمام”، ولهذا فالرجل يعلن وأجهزته الإعلامية عن جاهزية بلاده للحرب والمواجهة، ويمتد في الكلام أكثر ليعلن عن “الهزيمة المستقبلية للشيطان الأكبر”، وهو النشيد الذي يردده فتاه حسن نصر الله من لبنان.
حتى اللحظة، الحرب لم تقع، وحتى اللحظة هي مستبعدة، وهي لم تقع وهي مستبعدة، لأن المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبالمعنى العسكري، تعني الذهاب الى طريق لاعودة منه، وعلى هذا الطريق سيكون الكثير من الدمار ومن الضحايا، وهو طريق ضحاياه الأعداء كما الأصدقاء، غير أنه وفي تنامي خطاب التحدي الذي يطلقه الملالي وحرسهم الثوري، سيكون طريقًا مفتوحًا على مالارغبة فيه.
لا المملكة العربية السعودية تختار الحرب، ولا مجموع دول الخليج تختار الحرب.. ولا المجموعة الأوربية تختار الحرب، ولا الولايات المتحدة تختار الحرب، غير أن كل من لايختارها قد يجد نفسه مرغمًا على خوضها اذا ما استمر الملالي في العناد وفي التحدي.
تحدي انتاج السلاح، كما تحديات الدولة المدنية الغائبة تحت سواطير الملالي وتعسفهم على الحياة في ايران وقد باتت البلاد بلادين:
ـ بلاد الكهوف التي يقيم فيها “حرّاس الغيب”.
وبلاد الشباب الذين باتوا ينتجون حياتهم تحت الأرض حين ضيق الملالي الأرض بهم، وهو الأمر الذي يستدعي ثورة في إيران، وهي ثورة الحريات، والديمقراطية، والتنمية التي تعني الرفاه خارج مصانع السلاح.
في الداخل الإيراني، يعرف “الشباب” حجم تغوّل الملالي في الحياة، ويعلمون تمام العلم بأن أي حراك شعبي سيقود الى مجازر دامية أين منها مجازر سوريا، وهو مايؤخر حراكهم، غير أن المتأخر اليوم لابد ويتحول الى حاضر الغد.
المعلومات شبه المؤكدة، أن الملالي يعملون بالظفر والناب على اشعال الحرائق في المنطقة مستعينين بمقولتهم:
ـ عليّ وعلى أعدائي.
والعالم يعرف هذه الحقيقة فيؤجل الصدام.
ايران اليوم ليست ايران الأمس، وايران اليوم ليست ايران الغد، مايعني أنها في منطقة الأزمة، والأزمة وفق كل المعايير تعني أن البلاد خسرت ماضيها ولم تربح مستقبلها.
اللعبة لم تزل لعبة السيد “وقت”.. كان ذلك حال صدام حسين وقد لعب بالوقت منذ اجتياح الكويت حتى سقوط بغداد.. ثلاثة عشر عامًا وهو يلعب بالوقت.
ثم جاء قصف بغداد ليعلن:
ـ انتهى الوقت ياغبي.
وكانت المشنقة الشهيرة.
في ايران يبدو أن الوقت قد شارف على الانتهاء.
مكلف نعم، ولكن مالابد منه لاغنى عنه.