عمل 14 عاماً مع “سي آي إيه”.. تفاصيل قصة عالم سوري سرب أسرار الكيماوي

مرصد مينا

كشف كتاب صدر في الولايات المتحدة الأمريكية، عن دور باحث علمي سوري في الكشف عن أسرار البرنامج الكيماوي السوري للمخابرات الأمريكية “سي آي إيه”، وكيف انتهى بالكشف عن نفسه.

صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، نشرت في تقرير أعده الصحفي “جون واريك”، مقتطفات من الكتاب الذي حمل عنوان “خط أحمر”، مشيرة الى أن “سي آي إيه” كانت تلقب الباحث السوري بـ”الكيميائي”، وإنه لا يعرفه إلا القليل من الناس، فهو أستاذ جامعي موهوب ويصلح لمهمة الجاسوس.

وبحسب تقرير الصحيفة الأمريكية فإن الجاسوس “الكيميائي” قضى جزءا من شبابه في الولايات المتحدة، حيث درس في مدارسها ولعب الرياضة، وانضم إلى فرق الكشافة، قبل أن يعود إلى بلاده فيصبح خبيرا في صناعة الأسلحة الكيميائية، حيث وكان فخورا بعمله لدرجة أنه أثار الشكوك حول نفسه.

نقطة الانطلاقة  بدأت في دمشق عام 1988، وكانت أول محاولاته للتواصل مع الأمريكيين، خلال مؤتمر علمي عُقد في أوروبا، حيث طلب من صديق له أن يمرر رسالة إلى السفارة الأميركية القريبة.

بعد عدة أشهر أرسلت “سي آي إيه”، مسؤولا، اقترب من  “الجاسوس” بعد محاضرة له في جامعة دمشق، وقال له “الجاسوس” الذي لم يكن يتجاوز الـ20 من عمره، “كنت بانتظارك، نادني باسم أيمن”، ولم يذكر الكتاب اسم عائلة “الكيميائي”، حتى لا يثير انتباه النظام وينتقم من أفراد العائلة.

بحسب التقرير، فإن المخابرات الأميركية شعرت بالخوف من فقدان سوريا السيطرة على سلاحها الكيميائي، وخاصة غاز السارين وغازات الأعصاب القاتلة الأخرى، بعدما اندلعت الحرب في سوريا، حيث كانت المخابرات الأميركية تعرف حجم الأسلحة الكيميائية التي تملكها سوريا، وكانت على علم بمخابئها وبمركز الدراسات والأبحاث المقام على تلة تطل على العاصمة دمشق لتوفير الدراسات الهندسية من أجل إنتاج صواريخ متوسطة المدى كي تستخدم ضد إسرائيل.

وأكد الكتاب أنه في داخل المركز كانت هناك وحدة سرية تعرف بـ”معهد 3000″، وكان “أيمن” “الجاسوس” واحدا من المسؤولين البارزين والقادة فيها، حيث كان عمله إنتاج مواد سامة قاتلة كي توضع في رؤوس الصواريخ، وقد أطلق العلماء على هذا المشروع اسم “الشاكوش”.

ونظرا لمشاركة أيمن، فقد حقق “معهد 3000” تقدما في برنامج الأسلحة الكيميائية الذي بدأ بغاز السارين المستخدم في خنادق الحرب العالمية الأولى في أوروبا، ولكنه انتقل إلى مراحل أعلى بالتركيز على غازات الأعصاب التي بدأ المعهد بإنتاجها في مصنع خارج العاصمة السورية دمشق.

عميل “سي آي إيه” استمع بتركيز لما قاله السوري، حيث كانت المخابرات الأميركية على علم باهتمام السوريين بالأسلحة الكيميائية، وفي ثمانينيات القرن الماضي، ألمح النظام السوري إلى “ردع” ضد إسرائيل مقابل سلاحها النووي.

يقول التقرير أن “أيمن” أسهم في اكتشاف مواد سائلة مثل كحول “إيزوبروبيل” العادية ومادة “دي إف” القاتلة التي تحتوي على عناصر مختلفة، ومواد إضافية، وهي مواد أسهمت في الحفاظ على قوة السارين بين فترتي المزج.

ولم تقم دولة غير سوريا بإنتاج السارين، عبر تطوير بمثل هذه المعادلة، حسبما نقل التقرير عن كتاب “خط أحمر” الذي أكد أن العميل الأميركي نقل كل ما جرى من حديث مع العالم السوري في برقية سرية أرسلها إلى مقر وكالة المخابرات الأميركية، وتم تحليل ما ورد فيها، وثبت أنها حقيقية وأكثر من مهمة.

على إثر ذلك،  أصبح العالم السوري يتلقى راتبا ينقل إلى حساب خاص له في ملجأ آمن.

وورد في الكتاب أيضا أنه مع بداية القرن الحالي توسّع مجمع المختبرات السوري بشكل مضطرد، إلى شبكة من المختبرات ومراكز الإنتاج ومجمعات الإنتاج والمخازن و40 خندق تخزين في عدد من المواقع من دمشق حتى حلب في الشمال.

وظل الباحثون يجربون منتجات جديدة، لكن مخزون السارين الثنائي زاد إلى ما بين 1.3 طن و1.5 طن.

ولأن سوريا كانت في وضع مستقر، فلم تدع الحاجة إلى إنتاج مواد إضافية.

كبر حساب “الجاسوس السوري” في الخارج من الأموال والعمولات التي حصل عليها من المشترين، وأصبح في الـ50 من عمره، ولكن حدث أمر لم يكن جيدا، حيث جاء أفراد من الأمن إلى مركز الدراسات والأبحاث في نهاية 2001 للحديث معه، وطلبوا منه مرافقتهم، وشعر “أيمن” بالفزع، حسبما ذكر التقرير.

بدأ التحقيق بمقر المخابرات السورية، حيث استمع مدير المخابرات في حينها “آصف شوكت”، صهر رئيس النظام السوري “بشار الأسد”، إلى ما قاله أيمن بنوعٍ من الدهشة، وقرر أن يسأله عن العمولات التي يتلقاها من الشركات الأجنبية، فقد كان جشعه هو السبب الذي دفع المخابرات للتحقيق معه، ولم تكن تعرف أي شيء عن نشاطاته التجسسية.

وانتهى التحقيق بقول شوكت “لقد ثبتت خيانتك”، وقال للعالِم الخائف إن الحكومة كانت تعرف عن نشاطاته السرية كلها، ومن الأفضل الاعتراف وطلب العفو بناء على الخدمات التي قدمها للجمهورية.

وبحسب ما نقل التقرير عن الكتاب، فقد اعترف أيمن بكل شيء، وأخبر المخابرات السورية بلقاءاته مع “سي آي إيه” والمعلومات التي نقلها للأميركيين والحسابات المالية في الأماكن الآمنة.

وقال إنه لم يكن أحد يعرف بنشاطاته، بما في ذلك رفاقه في البحث وزوجتاه الاثنتان، بل عمل على هذا بنفسه.

ووجدت المحكمة أيمن مذنبا بالخيانة العظمى في محاكمة سرية لم يُعلم عنها شيء، ولكن تم وصفها للموظفين في مركز الدراسات والأبحاث لتلقينهم درسا.

ومُنح أيمن معاملة خاصة، فهو خائن وبطل قومي في الوقت نفسه، وسُمح لزوجتيه وأولاده بمغادرة سوريا إلى الخارج وبداية حياة جديدة.

أما هو فنُقل إلى سجن عدرا، حيث تم إيقاظه في أحد صباحات أبريل/نيسان 2002 ونُقل معصوب العينين إلى ساحة السجن وأعدم هناك.

Exit mobile version