مرصد مينا
اختارت عمّان منذ مؤسسها الأول أن لاتكون “المركز”، واكتفت بالجلوس على الأطراف، ومن الأطراف اشتغلت على التسويات/ المصالحات، ولعبت أدوار الوسيط لا دور الخندق.
يعود هذا لا إلى انعدام الرغبة في البطولة، بل مراعاة لواقع حالها، وواقع حالها كان على الدوام أن تكون:
ـ دولة بين المراكز.
المراكز هنا تعني فيما تعنيه بغداد، دمشق، والرياض.
فإذا ما لعبت عمّان كـ “مركز” ستؤكل كما حدث لبغداد ودمشق، دون نسيان “تل ابيب” وهي المركز الاكثر تسليحاً ورعاية وقوّة.
اختارت عمّان هذا الدور، ذلك أن محدودية الموارد لن تسمح لها بتبديد القليل من مواردها، فلعبة الأمم تحتاج إلى موارد، وموارد الأردن لا تغطي هكذا طموح.
واختارت عمّان هذا الدور تبعاً للتركيبة السكانية الموزعة ما بين شرق أردنيين / فلسطينيين وبدو، وأي اختلال في اللعبة يعني انهيار الهاشمية التي لعبت دور “بيضة القبّان”.
لو لم يكن هذا خيارها لانهارت تماماً كما جارتيها دمشق وبغداد، ولولاه لأكلت المملكة بدءاً من السبعينيات لحظة كانت محطة للعمل الفلسطيني المسلّح، ولكان حالها كما حال الفصائل الفلسطينية بفارق أن الفصائل إياها عثرت على البدائل في المكان فاختارت بيروت لاند، بموازاة فتح لاند، وحين كان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عثرت الفصائل الفلسطينية على مأوى في حمّام الشطّ التونسي، وهو ما لن يتوفر للشرق أردنيين حمّاماً يوازيه.
واليوم، كل “الإعلام المقاوم” يشتغل على الأردن ناعتاً المملكة بـ “الخيانة”، ذلك لأنها لم تفتح جبهتها أسوة بحزب الله، مع نسيان أن حزب الله سيجرّ الخراب إلى لبنان وفق احتمالين:
ـ أن ينتصر في معركته على إسرائيل فيمنح بيروت لطهران مستبدلاً احتلالاً باحتلال.
ـ خراب لبنان انتصاراً لغزة دون أن يُحدث لغزة انتصاراً.
الأردنيون بفلسطينييهم وشرق أردنييهم يعرفون مدى جدية هذا الكلام، فالقفزة الإسرائيلية المقبلة قد تكون نحو “الوطن البديل” الذي يعني توطين فلسطينيو فلسطين من ضفة وقطاع بالأردن، وفتح جبهتهم على إسرائيل يعني فيما يعنيه منح الإسرائيليين الحجّة نحو هذه القفزة، والجماعة ليسوا بوارد تحمّل المزيد من الأحمال، فإذا ماحدث مثل هكذا احتمال فالنتيجة حرب أهلية في الأردن، ولابد أن تجد هذه الحرب من يوقد نيرانها، وحتماً لن يتباطأ ملالي طهران في صبّ الزيت على النار.
تلك هي خارطة الأردن وهذا هو حال الأردن، غير أن الطرف الآخر يشتغل اليوم على خرابها:
ـ سلاح إيران يتدفق إليها من أنابيب المهربين.
كبتاجون من أنابيب “المقاومين”.
وإعلام يشتغل على هزّ الأردن ملوكه وملاّكه من الإسلاميين.
متى تكون الشرارة، لا نعلم.
غالباً ستكون، ومعها سنصغي إلى زغاريد واحتفالات الإسرائيليين.