بلد بات العابر لأزقتها يتعثر بالأجساد النائمة على الأرصفة وفي ذروة صقيعها، فيما المهجرون الموزعون على الخيام والعواصم قد تجاوز نصف عدد سكانها.. يحدث ذلك، بعد حرب طاحنة استخدم فيها النظام كل ما امتلك من أسلحة دون أن يتورع عن استخدام الكيماوي، وقد وهب ثلث البلاد للإيرانيين، والثلث الثاني للروس، ولم يترك من السلطة لسلطته سوى إدارة السجون.
عشر سنوات، بلا أي أفق لأي حل سياسي، يشترك في انسداده، معارضة مرتهنة ونظام رهينة، وفوق ذلك يرسم هذا النظام ومع كل مطلع شمس سياسة جديدة في التضييق على الناس، حتى تجاوز في تغوله على الحريات ما عرفته الخمسين سنة الفائتة من حكم العائلة، دون أن يوفر من طغيانه حتى بيئته الحاضنة ومناصروه، وهاهي سياسة الاعتقالات ترتفع وتزداد بشاعة حتى وصل بقانون الجرائم الالكترونية، أن يصنّف الشكوى من الازدحام على بوابات الأفران باستخدام الفيس بوك، جريمة تنال من هيبة الدولة.
آخر ما ابتكره تجريم قاضية في مؤسسة حكومية هي مؤسسة الرقابة والتفتيش، التي يفترض أن يكون لقضاتها حصانة قضائية، وبالتزامن، تجريم مذيعة تلفزينية تعمل على شاشته وهي المذيعة هالة الجرف، ليتم اعتقالهما مع مجموعة من “نشطاء الفيس بوك”، وهو مصطلح لامعنى له، فالفيس بوك اتسع لمليارات البشر، وليس من العدالة تصنيف أي من مستخدميه بناشط، ذلك أنه مساحة ربما للشكوى، وربما للتنفيس عن احتقان عابر، وربما رسالة من عاشق، غير أن قانون التجريم قد طال السوريين وصولاً الى استخدام “اللايك” الذي قد لايعني التأييد والموافقة وحدهما فقد يعني “شاهدت”.
السؤال، وعلى الدوم:
ـ كيف يبتكر هذا االنظام مأزقًا لنفسه؟ ومن يرسم له سياساته؟
سؤال كهذا ينطلق من النتائج، وفي النتائج أسئلة من بينها:
ـ ماهي حجم الأضرار التي يمكن لمنشور على الفيس بوك أن يتسبب بها لنظام المعتقلات والسجون والعصابة؟
لتكن قضية هالة الجرف مثالاً.
أقصى ما كتبته هالة الجرف، هو الحديث اليومي للسوريين، كل السورييين، وما كتبته على صفحتها في الفيس بوك لايتجاوز ولا يكتشف ولا يأتي بجديد، وكل حجمه هو حق مواطن بـ “التذمر”، ما يعني أنه دون الاحتجاج وأقل من صرخة، وليس جسرًا يقود إلى ثورة.
فماذا كانت النتائج؟
كانت نتائج اعتقال المذيعة؟
حملة واسعة على الفيس بوك تتجاوز السخط والهجاء إلى فضيحة للنظام، كما لو أن هذا النظام يشتري الفضيحة لنفسه، ومن هنا يعود السؤال:
ـ من يرسم سياسة هذا النظام؟
ـ من هم مستشارو بشار الأسد؟
اكثر من ذلك، في أي زمن يعيش هذا النظام، وأية أوهام تحيط به، وقد ذهب الى الاعتقاد بأنه قادر على إغلاق فضاءات الجنرال انترنيت؟
لنفترض أنه قادر على تكميم أفواه ناس الداخل، فهل بوسعه تكميم أفواه ملايين السوريين من الشباب الذين خرجوا من وطأة سيطرته وباتوا في المغتربات حيث المعلومة المتوفرة والتعبير المتوفر عنها؟
أسئلة ستقول، أن العالم كل العالم شهد مراحل من الطغيان، غير أن ثمة طغيان محسوب وعاقل، يقابله طغيان أرعن وأهبل، حتى بات السوري يشتهي الطغيان، ولكن الطغيان العاقل، أما أن يجتمع الطغيان مع الهبل، فالمصيبة مضاعفة، وتجليها في أنها تأخذ شكل بشار الأسد شخصيًا.
ـ ألم يجمع السوريون على وصفه بـ “المعتوه”؟
حدث ذلك، فكانت سياساته بالغة العته، إلى الدرجة التي يشتري فيها الفضيحة لنفسه.