المعلن ماقبل فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان إعداد خارطة طريق بالغة الوضوح للتصالح مع النظام في دمشق، وتتعلق بمسألتين هما الحدود التي يبلغ طولها ٩٠٠ كيلومتراً، ومسألة اللاجئين السوريين في تركيا وأعدادهم بالملايين.
على الأقل كان هذا ما سبق وأعلنه الروس، وأضافوا اليه الجملة الإنشائية التي تقول”وعودة العلاقات على أساس المساواة والاحترام”.
النظام السوري لم يتلقف المبادرة، وهي مبادرة بوساطة روسية بطريقة ما، بل اتخذ منها ذريعة لتكرار القول بأن خصوم الأمس يهرولون إلينا، وفي لغة اخرى “يزحفون” إلينا، وفي جزء من الخطاب الإعلامي اتكأ النظام السوري على الاعتقاد بأن أردوغان سيسقط في الانتخابات وستؤول الأمور إلى حكومة جديدة في تركيا “صديقة” للنظام.
فاز أردوغان بالرئاسة وماتزال كل من المسألتين عالقتان، فلا مشكلة اللاجئين حلّت أو اتفق على خارطة طريق لحلّها، ولا أمن الحدود عثر على صيغة للحل أقلّه وقوات “قسد” تحكم مناطق شاسعة محاددة لتركيا.
الخطاب الإعلامي السوري الصاخب مازال كما عهدناه، ومسألة اللاجئين لن تُحل دون الحوار ما بين الحكومتين، ما يعني أن ماكان عالقاً بين الدولتين مازال على حاله مع إدراك مجموعة من الحقائق التي من العماء تجاهلها.
أول هذه المسائل مسألة “قسد”، فالقوات الكردية في الشمال السوري محمية بالقوات الأمريكية، وهذه الحماية لن تكون أبدية، فإذا كانت “قسد” حليف مؤقت للإدارة الأمريكية فتركيا جزء من الناتو، ولن تخرج عن سياساته حتى ولو ارتفع صوتها لمعارضته كما حدث في موضوع انضمام السويد إلى الحلف، اكثر من ذلك فالحكومة التركية تعرف جيداً كيف تدير حبل السيرك وتمشي فوق الجمر وهو ما يعني أن الطريق سيفتح عاجلاً أو آجلاً لجيشها للتقدم إلى مناطق “قسد” وانتزاع الشريط الحدودي الذي ترى فيه أمانها، وهذا أمر سيكون بمباركة الروس وصمت الأمريكان، وعجز النظام في سوريا عن أن يكون له صوت أو رأي.
وحين يتعلق الأمر بالمسألة الثانية ونعني مسألة اللاجئين السوريين، فالمرحلة التركية تمضي باتجاه إعمار مناطق شاسعة محاذية لحدودها، وإليها ستعيد اللاجئين السوريين أو أعداداً هائلة منهم، وفي هكذا حال ستكون إدارة هذه المناطق تركية، فالذي يعمّر يدير، وما بعد الإدارة يمتلك، ما يعني احتلالاً تركياً لهذه المناطق، وهو على العكس من تاريخ الاحتلالات التي تبدأ بالهدم، فهذا احتلال يبدأ بالإعمار، وحين يكون لخيارات الناس مكانها في الصيغة فالمرجّح أن يختار سكّان هذه المناطق الإدارة التركية التي عمّرت، لا إدارة النظام التي هجّرت.
كل هذا لم يدفع النظام لأي تحولات في خطابه السياسي، ولم يقده إلى حوار مع الجار التركي استباقاً لأهوال ستحصل وأبرزها سلخ مناطق من سوريا لن تقل أهميتها في الجغرافية السورية والوجدان السوري عن لواء اسكندرون، وكانت الحكومات السورية المتتالية تطلق عليه “السليب”.
عناد النظام وإنكاره وعنجهيته، ستعطي حكومة أردوغان كل الذرائع، وما سيأخذه الأتراك اليوم لن يستعاد غداً.
يحدث ذلك لبلد مباح ومتاح، إدارته تشتغل بروح العصابة.
لو كان الأمر على نحو آخر، لفرد النظام موائده لحوار تركي / سوري، إن لم يُعدِم التصادم، فأقله يلغي الذرائع.
كل المؤشرات تقول “ما بعد اللواء السليب” ثمة أراض سورية ستُسلَب، والنظام يفتح الجسور إلى هذا الشكل من الاحتلالات.
ـ احتلال بـ “الخرسانة”.