نبيل الملحم
مع اول تهديد لقصف إسرائيل بصواريخ بالستية هدد بها صدّام حسين بقصف إسرائيل، سارعت “الامم العربية” إلى إحياء حفلات ومسيرات وهتافات تنادي باستعادة “الأمة” لـ “كرامتها”، حتى بدا صدّام حسين كما لو أنه طارق بن زيّاد وقد وقف على مضيقه وأحرق سفنه.. بيانات مثقفين، وتهليلات شعراء القصيدة المحكية، وربابات وطبول، ومع اجتياح المارينز لبغداد، نسي مثقفو البيانات قصائدهم، وكشفت الوقائع أن صاروخ صدّام حسين لايتجاوز تصريحات وزير إعلامه محمد سعيد الصحّاف، ومع محاكمات صدّام حسين تحوّل الرجل من “كلّي القدرة” إلى مسكين يستعين بالكتاب المقدّس على خمس قضاة تناوبو على محاكمته، دون أي ضجيج خارج المحكمة والمحاكمة، ووحده وحيدًا بلا حب ولا محبين.
مجمل ماورّط صدّام يومها بغزو الكويت كانت عوامل ثلاث:
ـ نرجسية الحاكم الذي يظن بأنه نصف هرقل، وكل عنترة بن شدّاد.
ـ أورطة من المحازبين، معظمهم إن لم نقل كلّهم، نكّلوا بالعراق وناس العراق.
ـ وتلك السفيرة الأمريكية الحيزبون غلاسبي” التي اوحت له بغض نظرها وإدارتها عن غزو الكويت، فوّرطته، فغزاها.
صدّام لايختلف كثيرًا عن فلاديمير بوتين، أقّله أنه يشاركه في أمرين اثنين “النرجسية الفائضة”، والمحازبين الذين لايملكون سوى هزّ رؤوسهم، فكان أن غزا اوكرانيا، وبلع المنجل.
أما حكاية بالع المنجل، فهي حكاية معروفة في معظم حكايا الشعوب ذلك أن الثعلب استطاع ابتلاع المنجل غير أنه عجز عن إخراجه، واليوم أثبت الاوكران أنهم قادرون على مجابهة القوات الروسية، وأثبت الجيش الروسي أنه لاثاني ولاثالث جيوش العالم، فهزيمته في خيرسون، أتت على سمعته، وعلى سمعة فلاديمير بوتين، الذي بات تحت وطأة خيارين لاثالث لها:
ـ إما الانسحاب بالسياسة من أوكرانيا ومن الحرب كل الحرب، وهذا سيعجّل انهياره في الداخل الروسي وشيكًا، ذلك أن حجم المعارضات يتمدد في صفوف الشعب الروسي وقد ينتقل إلى الجيش.
وإما الانسحاب بفعل معطيات الخنادق والجبهات وهذا سيودي بالرئيس الذي اعتاد الانتصارات، وسينعكس على مصيره في بلده وصولاً لجره إلى محاكمات قد يواجه فيها مصيرًا بالغ الحزن.
كل ماسبق يتصل بلعنة مردها إذا ماتجاوزنا لعبة السياسة واستحقاقاتها، ولعبة الجغرافية كما استحقاقاتها، بمرض يصفة د. مصطفى الاسلامبولي، وهو استاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس المصرية، بـ “ذهان العظمة”، أما عن “ذهان العظمة”، فهو مرض يقود صاحبه إلى الاعتقاد أنه مهم، بالغ الاهمية، فإذا حكى عن العظماء يحكي سيرته معهم، وإن حكى عن النساء يحكي بطولاته معهم، وان حكى عن أية ظاهرة يقدم نفسه باعتباره مثالاً لها، هذا النوع من الامراض ينشأ عن حرمان طفولي مردة مايسمى بالاخصاء العاطفي، ما يعني أن صاحبه يكون مكروهًا من أحد ابويه أو كليهما، هذا الاخصاء يرافقه في علاقاته مع النساء بما يجعل كل علاقاته تصاب بالفشل لتكون علاقات مهتزة ليس فيها طرفان، بما يعني الحب من طرف واحد وهلوسات لاتتوقف. قد تنتهي بصاحبها إلى الانتحار.
ذهان العظمة هذا أصاب جوزيف ستالين كما أصاب اودولف هتلر، ولم ينج منه الدوتشي موسوليني.
هو مرض يصيب قادة “يحبون من طرف واحد” ومن ثم يفتكون بالجميع، أما من غير “الجماهير الغفيرة” فطالما أصاب مجاميع بشرية، هم كذلك “يحبّون من طرف واحد”، ليُفتّك بهم.
ـ هؤلاء يمكن نعتهم بـ :
ـ الذهانيون المساكين.