قد يكون البرلمانيون العرب في الكنيست الإسرائيلي، أفضل حالاً وأفضل صوتًا، وقد يطكون لتمثيلهم في الكنيست قوّة وإن بدت ضئيلة فلابد لهذا “الضئيل” أن يكون صوتًا في الصيغة الإسرئيلية، مع ذلك فالجمهور العربي لايعتبر نوابه أكثر من “مغسلة كلمات” في هذا المكان.
وفق هاآرتس فالمشاعر العربية هذه إنما “تنبع من اختبار نتيجة الجولات الانتخابية الأربع الأخيرة”.
القرار المختلف عليه لـ”راعم” وهو الحزب العربي الموحد، وعلى رئيسه منصور عباس، حول الانضمام إلى الائتلاف، قاد -حسب رأيه- إلى تحقيق إنجازات كثيرة في المجال الاجتماعي، لكن لا يوجد خلاف على أنها لم تؤد إلى تغييرات حقيقية في القضايا الأساسية للمجتمع العربي. لم ينشغل “راعم” بقانون القومية، ولم يتجرأ أحد على التطرق لسياسة تعمل على إنهاء الاحتلال.
سبب ذلك واضح. فأغلبية الجمهور الصهيوني في إسرائيل لم يتبنّ قرار عباس، بل زادت التطرف نحو اليمين. الخطاب الذي ميز أحزاباً متطرفة تسرب الآن نحو أحزاب تقف في مركز الخارطة السياسية. فقد سمعت وهي تدعو إلى شطب مرشحين عرب وإدخال قوات حرس الحدود والجيش إلى المدن المختلطة وتعيين تلميذ كهانا، ايتمار بن غفير، في منصب وزير الأمن الداخلي. في المقابل، الأحزاب التي تتفاخر بتمثيل حلم المساواة وحلم قيم الديمقراطية، مثل “ميرتس” و”العمل”، تقف فوق نسبة الحسم بقليل.
المواطنون العرب، “والكلام لها آرتس” ليسوا راضين عن أنفسهم، في واقع بائس أو مقاطعة للانتخابات في ظل غياب بديل عملي. لا شك أن الموضوع الذي يشغل الجمهور اليهودي ليس إنهاء الاحتلال أو المساواة في الحقوق للعرب، بل مسألة عودة رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، إلى الحكم. ولكن محظور على الجمهور العربي أن ينسى بأنه مُستخدم، دون أن يُسأل، كوقود لتحريض منفلت العقال، يسمعه اليمين المتطرف الذي يؤيد تفوق اليهود.
إزاء هذا الواقع، لا يوجد للمواطن العربي ترف بأن يقول “لا يهمني”، إنما عليه استغلال الفرصة والتعبير عن موقفه. هذا هو الوقت المناسب ليصوت حسب ما يعتمل في أعماقه. لا أحد يضمن للمجتمع العربي مستقبلاً أفضل، ولا أحد يقدم ضمانات بألا يزداد الوضع خطورة في عهد ما بعد نتنياهو. ولكن على الجمهور العربي أن يتمسك بالمبدأ الذي، بحسبه، لن يذهب إلى أي مكان آخر، وأنه سيبقى هنا جيلاً بعد جيلاً، حتى بعد أن يختفي سموتريتش وبن غفير.
هل يكفي هذا؟
الأحزاب العربية، إلى جانب هذا الاعتبار، ملزمة بالقيام بانتقاد ذاتي في ظل تآكل متزايد في نسبة التصويت في أوساط المجتمع العربي. الأحزاب مجبرة على التفكير بمسار جديد، كل واحد بطريقته، وفحص مستقبل شبكة علاقاته مع مؤسسات الدولة ومع الجمهور العربي نفسه. الوقت القليل الذي بقي حتى إغلاق صناديق الاقتراع هو وقت للأحزاب الثلاثة من أجل عرض مقولة واضحة لجمهور ناخبيها. يقف عباس على رأس من هم تحت الفحص الآن، وهو الذي لا يستبعد الانضمام لليمين من أجل تحقيق المصالح الاقتصادية – الاجتماعية للمجتمع العربي. و”بلد” برئاسة سامي أبو شحادة الذي يعتبر النجم الجديد في المنظومة السياسية للمجتمع العربي، يقف أمام الاختبار. الحزب الذي لم يجتز حتى الآن نسبة الحسم في أي استطلاع تم نشره ويطمح إلى إحداث مفاجأة هذه الانتخابات لا يعتبر نفسه جزءاً في لعبة الكتل، ويضع الخط الوطني وتحقيق دولة لكل مواطنيها على رأس سلم أولوياته. أما حداش – تاعل برئاسة النجمين المخضرمين نسبياً، أيمن عودة وأحمد الطيبي، فستقف أمام اختبار ناخبيها، بسبب محاولة تمثيل توازن معين بين مقاربتي “راعم” و”بلد”.
على خلفية ذلك، فإن ليوم الانتخابات أهمية مزدوجة بالنسبة للجمهور العربي، إمكانية طرح موقف واضح وهجومي وصارخ ضد العنصرية والفاشية لليمين المتطرف، والقدرة على عرض ما يفكرون فيه بطريقة مباشرة أمام رؤساء الأحزاب الأربعة. لذلك، الادعاء القائل بأن الأمر يتعلق بانتخابات مصيرية ليس ضريبة كلامية، بل واقع. العرب مجبرون على التصويت أكثر من أي مرة سابقة.
ـ لايهمني، كلمة لاتنفع عرب فلسطين.. يهمني قد تفتح لهم مساحة في الكنيست الإسرائيلي، مساحة إن لم تخرج الدببة من الكروم، فقد تقلّص من شراهتهم ما أمكن.