عن رحيل “الآنسة” وكاريزماها

ظاهرة الإنسان المُنسحِق، لابد وتتشكل بموازاة القائد بـ “كاريزماه المُدمِرة”.. فالمعادلة :”القائد وتابعيه”، حدث هذا في المجتمعات الإسلامية، كما في المجتمعات المسيحية، كذلك في العقائد المتشظية من العقيدتين، في خمسينيات القرن الفائت، شهد جنوب سوريا رجلاً يحرّك النجوم، ولم يخفِق في إقناع تابعيه القابلين للاستجابة، تابعون مجروحون يبحثون عن شفاء جراحهم، حدث هذا في مجتمع شبه رعوي، او لنقل خليط من زراعي رعوي ينتظر القيامة ويستجيب لتباشير “نصف الإله” وله عقيدة عنوانها “التوحيد”، تابعون ينقرون دفوفهم وأهازيجهم بانتظار وعد الله بل وقدوم الله، وكل ماكان عليهم هو الاصغاء لحوافر خيوله القادمة من وراء سور الصين العظيم.

مثل هذا، وبشكل مُضاعف، ولكن بمأساوية ودموية صريحة شهدت الولايات المتحدة الامريكية، أكبر عملية انتحار جماعي في التاريخ الحديث وقد راح ضحيتها 913 شخصا، من بينهم حوالي 300 ممن كانوا في سن 17 عاما أو أقل، والذين لقوا حتفهم بتناول السم عبر انتحار جماعي بإرشاد من زعيمهم جيم جونس صاحب المعبد الذي طالما عرّض تابعيه للإذلال والابتزاز.. لقد أمرهم السيد بإعداد شراب فواكه مع السيانيد والمهدئات ثم حقنه أولا في أفواه الأطفال والرضع، ثم شربه الأعضاء البالغون، لتكون مجزرة جماعية لتابعين لايعصون الاوامر.. اوامر الله.

لِمَ نذهب بعيدًا؟ في جبال الساحل السوري، مطلع القرن العشرين شق سليمان المرشد وجه القمر بعصاه، وسط اتباع من فلاحين فقراء وأقنان يمنحون قائدهم دعمًا عاطفيًا بلا حدود.. تابعون مجروحون، يبحثون عمّن يخيط جراحهم.

واليوم، يرتفع الكلام عن القبيسيات و “آنستهم”، سيّدات المجتمع المخملي، بورجوازية المدينة المجروحة بقوى العسكر والبيرقراط، وقد حوّلتهم “الآنسة” إلى أدوات لمن جرحهم.. لقوى العسكر والبيرقراط بفارق الأناقة ومستوى الخطاب.

هل كانت “الآنسة” كاريزمية؟

بلا شك.. كذلك، كما بوسع عالمنا انتاج “كاريزما” أحذية “اديداز”، او بيجامات “بوما”، بوسعها انتاج كاريزماتيات..

ـ هات سلطة، وخذ كاريزما.

ـ هات جراح ووعد خلاص وخذ كاريزما.

لك أن تتخيل حافظ الأسد وهو يشتغل على عربة لبيع الخضار، هل كان سينالها؟ أعني “الكاريزما”.

Exit mobile version