عن سوريا المُستعادة

زاوية مينا

انهار المحور”، تلك حقيقة، فلا مستشارون إيرانيون في الخنادق السورية، ولا حزب الله في جنوب لبنان، ولا بشار الأسد أكثر أطراف المحور لزوجة وافتقاد قرار وحيلة، انهياره وكما تشهد ساحات سويا والمزاج العام اللبناني، يُقلق الإسرائيليين، أو أقله يضعهم على حافة السؤال القلق، دون أن يخي جيشهم رغبته بالبقاء الطويل في غزة ولبنان وسوريا على حد ألون بن ديفيد.

من جملة ما يقلق إسرائيل، أحمد الشرع شخصياً، فالرجل وفق القراءة الإسرائيلية “بدل بزة الإرهابي ببدلة”، ولكنه ووفق “معاريف الإسرائيلية “يبث خطاً رسمياً ومعتدلاً أكثر. يقول ويفعل كل الأمور الصحيحة: يمنع أعمال ثأر واسعة، ويحاول توحيد كل الطوائف والفصائل تحت قيادته، وتأسيس نظام وطني وليس متطرفاً – دينياً”، و “كخريج حرب في العراق”، لا يعتزم تفكيك جيش الأسد بل الإبقاء عليه كإطار وطني وغرس جيشه في داخله، الذي بات يعد الآن 100 ألف رجل.

ـ كل ذلك وثمة من ما يطمئن الإسرائيليون؟
ما الذي يطمئنهم؟

ما يطمئنهم على حد قراءة لآلون بن ديفيد تولت “معاريف” بنشرها، أن إسرائيل تواصل التدمير الممنهج للوسائل القتالية الاستراتيجية المتبقية في سوريا”، كما اطمأنوا لما فعله “الجولاني” وهو الاسم القديم لأحمد الشرع أنه أمر بفرض حراسة على مخازن السلاح كي لا تقع في أيدي ميليشيات مستقلة”.

علامات الاستفهام الكبيرة التي تشغل إسرائيل اليوم (ربما تشغل السوريين كذلك)، ما الذي سيكون عليه حال العلاقة مابين أحمد الشرع والفصائل الجهادية ومن بينها “داعش” فالرجل يسمح بتدخين السجائر، ولابد أن ثمة جهاديون سيعتبرونه معتدلاً وهكذا توّجته الصحيفة الناطقة باسم “داعش” كمن خان طريق الجهاد، ما يستدعي الاعتقاد وفق “داعش” بأن ولايته ستكون قصيرة، فالتهديد الأكبر سيكون من الفصائل الجهادية التي لن تتقبل (اعتداله).

ـ فصائل جهادية ستشتغل على إسقاطه؟

ولكن ثمة من يسانده، فمن يقف إلى جانبه اليوم هم الأسياد الدائمون لحركة الإخوان المسلمين. ومن الآن فصاعداً، هم الأسياد الجدد لسوريا: تركيا وقطر.

القمة الدولية الأولى التي عقدها كانت مع وزير الخارجية التركي ورئيسي المخابرات التركي والقطري. فأحمد الشرع يتخذ صورة من يقبل إمرة تركيا طواعية، التي لم تتخل عن حلمها التوسعي في سوريا.

وبينما يتقلص النفوذ الإيراني، تعتزم تركيا الدخول إلى كل مكان يتركه الإيرانيون. وإذا بقي الشرع، ووفق ما تكتبه “معاريف”، وما تكتبه لافتاً ويستوجب قراءة ما يتخطى السطور “ربما تكون لنا (وتعني الإسرائيليون) قريباً لأول مرة حدود مشتركة مع الأتراك في شكل دولة مرعية يقيمونها في سوريا”.

لهذا الكلام معنيين اثنين، أولهما أن سوريا ستتحول بكاملها إلى منطقة نفوذ تركية، وثانيهما أن الجيش الإسرائيلي الذي تمركز في الجولان، لن يخرج من المناطق التي تمركز بها.

الروس، رغم صور إخلاء مواقع عسكرية من سوريا، لن يتنازلوا عن موطئ قدمهم في البحر المتوسط. فقد أجلوا مقدرات أسطولهم وقسماً مهماً من بطاريات الدفاع الجوي، لكن روسيا لن تتنازل عن معقلها الشرق الأوسطي الذي يشكل خشبة قفز لكل أعمالها في إفريقيا. وفي القراءة الإسرائيلية وبلسانهم “من الصعب أن نرى كيف ستطردهم تركيا والجولاني. وهم على ما يبدو سيبقون في المجال”.

إن الدخول الإسرائيلي إلى المنطقة العازلة في الجولان وما وراءها كان خطوة دفاعية واجبة وفق المنظور الإسرائيلي، والحكومة الإسرائيلية “تسعى لخلق حوار مع أبناء القرى المجاورة، السُنية والدرزية، ممن لا يتماثلون مع طريق هيئة تحرير الشام، حاكم دمشق الجديد”.

رجال الجولاني لا ينتشرون في الجنوب خوفاً من مواجهة مع المحليين ومع إسرائيل. أكثر من ذلك اشتغل الرجل على طمأنتهم، فبالنسبة إليه سيشتغل على تصفير أعداء سوريا، غير أن خريطة الاحتمالات تتسع، واللاعبون أوسع من مساحة البلد وحجمها، غير أنها بلد “الموقع” لما لا فقد وصفها نابليون بـ “قلب العالم”، ووصفها ابن خلدون بـ “قلب الامّة الإسلامية”، ووصفها تشرشل بـ “مفتاح الشرق الأوسط”، أما هنري كيسنجر أبرز مهندسي القرن العشرين فوصفها بـ “مختبر التاريخ”، وأحالها الأسد ابن أبيه إلى مزرعة / سجن، ومقابر جماعية، وأحالوها إلى الموت تحت الأنقاض وإلى قاع الأمم.

اليوم حان وقت استعادتها..
أما عن استعادتها فلمن يعود الكلام؟
ـ لتركيا؟
أم للسوريين؟
من السوريين من يقول: تبدأ استعادتها بـ
ـ لن نسلّم رقابنا لأحد.. حرّر رقبتك تحرّر بلدك.

Exit mobile version