يتخوف السوريون والليبيون والعراقيون والأفغان وأفاراقة من مواطن شتّى، من النازحين الاوكران، أما هؤلاء الذين نصفهم بـ “المتخوفين”، فهم أولئك الفارون من أوطانهم، البعض يصفهم باللاجئين، والآخر بالنازحين، وفي كل حال “من باتوا بلا وطن”، فالاماكن المؤقتة لن تكون وطنًا حتى لو اشتغلت مواطن اللجوء على “التكييف” و “الدمج”، وتأمين “الخيام” أو تأمين “المعونات”، او تلك الدول التي تمنح اللاجئ مايكفي لسداد لقمة العيش والسيجارة وتعليم الأولاد.
يتخوف هؤلاء من منافسة “اللاجئ” الاوروبي للاجئي العالم الثالث وأفريقيا، فهذا لاجئ بعينين زرقاوين وشعر أشقر، وذاك أسمر بأنف مضغوط، ولكل من الألوان ثقافته ومنظومته القيمية ومزاجه، وللثاني الأفضلية في اللجوء ببلاد قارته.
مخاوف لابد مشروعة وإن كان مبالغًا فيها، ولكن ماذا عن الأوربيين الذين قد يتحوّلون إلى لاجئين أيضًا، فإذا ما اتسعت الحرب وباتت برلين هدفًا للصواريخ الروسية، فلابد أن يتحوّل “البرليني” إلى لاجئ، ولكن إلى أين؟
هل نتخيل أن يلجًا إلى بغداد على سببيل المثال، أو إلى طوكيو او سيحتوّل لاجئًا إلى السويد فيما الصوواريخ الروسية تنال من شوارع وأبنية البلد االمرفه الذي سيكون بدوره باحُثا عن اللجوء؟
مشاهد اللجوء، ليست بعيدة عن أعين الأوربيين، فالأفلام الوثائقية سبق وصورت ملايين اللاجئين الفارين من الحربين الاولى والثانية، وبعض ممن طالتهم أعين الكاميررات مازالوا أحياء وإذا ما أعانهم النطق والذاكرة فقد يروون لأحفادهم وأولاد أحفادهم يوميات اللجوء والاقتتال على حبة بطاطا أو على رغيف يتقاسمه جحافل من “الجوعانين”، ومع ذلك تتدحرج أسباب الحرب إلى كل مكان، فيما الشاشات مازالت تنقل الحرب ومن موطن محدد ونعني به “كييف” أو “خاركوف”، حيث الحدود البولندية تستقبل اللاجئين، وحيث الأمهات والجدات والأطفال والمراسلون الصحفيون.
هي الحرب، وقد انتقلت من مواطن المجاعة والأنظمة المستبدة والحروب الأهلية والعرقية، إلى مواطن الرفاه والتكنولوجيا والطاقة والاستثمار بالعقول.
هي الحرب، حيث تقع، وفي أي زمن تقع، سيقع معها ملايين الضحايا وملايين المقتلعين من اوطانهم، ومع كل المعرفة، بكل ماتخلّفه الحرب، لا احد يوقفها أو يوقف تداعياتها وكوارثها ونتائجها، وهذا هو العالم اليوم، يمد الحرب الروسية/ الأوكرانية بمواد الاحتراق، في التنافس على المركز / القطب، وتحت عنوان “الصراع الروسي الأمريكي”، أو “الصراع الصيني الأمريكي” الذي يقبع في خلفية المشهد ولا احد يدري متى سيتقدم ليكون المشهد.
الكل يخاف الكل.. المسلحون يخافون المسلحين، والنازح يتخوف من النازح، والأرض التي تهتز تحت أقدام الجميع تقول للجميع:
ـ أما بعد، فلا خرائط في هذا العالم، أزيلوا خرائطكم عن الجدران.. الخرائط تنزاح والأوطان تتغير.