زاوية مينا
ليس من الضروري ولا من الحكمة التصديق على ماورد في مذكرات حسين أمير عبد اللهيان وزير خارجية إيران الراحل، وهو أحد المخضرمين في السياسة الإيرانية، ولكن من الضروري قراءة مذكراته وقد ترجمت عن الفارسية منذ وقت قريب وما بعد مقتله.
الأبرز من مذكرات الرجل، هو الكلام عن خطة لتقسيم سوريا إلى خمس دويلات، وإطلاق الربيع العربي باعتباره الحامل للمشروع، أما كيف تسنّى لعبد اللهيان الاطلاع على ما يدعوه “مخططاً”، فقد أستند في كلامه على ما أخبره به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكان الثاني قد أخبره وفق مذكرته أن “وراء المشروع كان الملك عبد الله بن عبد العزيز”، و”من ورائه مجموعة دولية، على الأغلب على صلة بالإدارة الأمريكية”.
سيسرد عبد اللهيان تدخل إيران في المسألة السورية عبر تحشيد مقاتلون أفغان وباكستانيون وفصائل إسلامية شيعية أبرزها حزب الله تحت عنوان “حماية المراقد”، ووفق سرديته فقد استطاعت طهران بقواها وحرسها الثوري حماية النظام من السقوط، ليؤكد مرة تلو الأخرى أن النظام كان على حافة الانهيار، كما ليؤكد تنسيقاً روسياً إيرانياً لاحتواء الزلزال السوري.
ما الصحيح من الكاذب في سردية عبد اللهيان، لن يكون متاحاً لمن لا يعرف بيوت الأسرار الدولية، غير أن هذه المذكرات وقد نشرت ما بعد مقتله تتطلب قراءة، والقراءة لابد من أن تكون “سعودية” أولاً، ليتسنى فصل ما هو حقيقي عن الزائف في هذه المذكرات، خصوصاً وقد سارعت طهران لترجمتها بدعم بلا حدود.
كما أنها نشرت في مرحلة التطبيع السعودي مع نظام الأسد، فالصمت السعودي عن مذكرات كهذه ليس في صالح المملكة، دون نسيان أن السياسات “الخمينية” هي أول من اشتغل على تقويض العالم الإسلامي لتفكيك “الوطنيات / القومية” ولحساب المد الشيعي الذي اشتغل ومازال يشتغل على محو الهويات الوطنية مرة بالفرسنة وثانية بالتشيع.
وسوريا لم تنج من تلك السياسات وهي سياسات مازالت تشتغل، مع تحوّلات شديدة التطرف ربما تحيط بها تلك الصراعات الروسية / الإيرانية على سوريا لتكون سوريا محطة وقاعدة أمامية للحرس الثوري الإيراني، وهي صراعات امتدت اليوم لتطال القصر الجمهوري في سوريا وتشتغل وصولاً لإحداث تشققات في النظام الذي حمته.
وهذه التشققات كانت قد وصلت إلى العائلة السورية الحاكمة، تعبيراتها في الافتراق السياسي ما بين بشار الأسد وأخيه الشقيق ماهر الأسد المنحاز إلى الخط الإيراني فيما سيكون من ضحايا هذا الصراع مصرع العديد من المقربين من الخط الروسي في سوريا، وليس مستبعداً أن يكون العميد محمد سليمان واحد من ضحاياه فيما سبق، ولونا الشبل المستشارة الرئاسية من ضحاياه اليوم.
اليوم، سيكون التوضيح السعودي ضرورة سعودية كما هي ضرورة سورية، أبسط ضروراتها، وقف الهذيان الإيراني وقد اشتغل طويلاً على تمزيق ايّة توافقات عربية / عربية، فلا المملكة معفاة منه، ولا سوريا أيضاً.
الآن وجب التوضيح دون نسيان الجملة الشكسبيرية المأثرة: ما ينبغي قوله، ينبغي قوله عندما ينبغي لأن ينبغي تتبدل.