عودة الـ “دوتشي”

أيّة مراجعة لتاريخ بروز الفاشية، أو النازية، لابد وتعتمد على افتراضين، أوّلهما، “فائض القوّة”، وثانيهما “فائض الضعف”.. التمثيل الاكثر وضوحًا لعقدة القوّة، ربما حملها اودولف هتلر، فالنازية، وهي من مشتقات الفاشية، ولدت يوم  أصبحت ألمانيا قوة صناعية كبرى بداية من سبعينيات القرن التاسع عشر، وصارت منافسا للقوتين المهيمنتين في تلك الفترة (بريطانيا وفرنسا) وللدولة التي تطمح للهيمنة (الولايات المتحدة). وبعد هزيمتها عام 1918، كان عليها أن تواجه تداعيات فشلها في تحقيق تطلعات الهيمنة. فصاغ هتلر خطته بوضوح: فرض الهيمنة الألمانية على أنحاء أوروبا ـ بما في ذلك روسيا ـ بمعنى هيمنة رأسمالية الاحتكارات التي دعمت صعود النازية. وكان يميل إلى قبول تسوية مع خصومه الرئيسيين: بحيث يسيطر هو على أوروبا وروسيا، ويتم منح الصين لليابان، وبقية دول آسيا وأفريقيا لبريطانيا العظمى، والأمريكتين إلى الولايات المتحدة. وتمثل خطأه في الاعتقاد أن مثل هذه التسوية كانت ممكنة: حيث لم تقبل ذلك بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، في حين أيدته اليابان من ناحية أخرى. حيث تنتمي الفاشية اليابانية إلى نفس الفئة التي تنتمي إليها الفاشية الألمانية.

كانت تلك هي مولدات النازية في ألمانيا، أما عن عقدة الضعف، فهاهو نموذجها يتمظهر اليوم في ايطاليا وكذلك في فرنسا، فصعود الفاشية في ايطاليا، كما اليمين في فرنسا، هو من منتجات مشاعر الضعف التي تحيط بكل من المثالين، والضعف هنا يتمثل في تلك التبعية القاتلة التي تعيشها أوروبا اليوم للمركز، ونعني للولايات المتحدة، وقد تجلت نتائجها أقلّه ما بعد كورونا حيث دفن الطليان ضحايا الوباء وقد تخلّى المركز عنها، فباتت البلد الضعيف في دائرة القوّة، وهذا مادفع الطليان للذهاب بعيدًا في الانكفاء عن أوروبا وبالتالي عن الولايات المتحدة التي تمسك بتلابيب الناتو.

روسيا بوتين لاتختلف كثيرًا، فما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أصبحت روسيا على يد بوريس يلتسين، مجرد قارة تباع وتشترى بالقليل من “الفودكا” والكثير من الشكلس وحين بحثت عن نفسها، لاقت نفسها بـ “الحرب”، الحرب التي تعني بالنسبة للروس، استعادة الامبراطورية بعد أن تراخت الدولة القومية، وجاء بوتين ليعيد القيصر الى رؤوس الروس، كما لو انه سيعيد الكرامة لروسيا المهزومة تحت وطأة امريكا المهيمنة.

في كلا الحالين، فائض القوّة، وفائض الضعف، كلاهما سينتجان الانغلاق والبحث عن مخرج لاستعادة الهوية.

عالم اليوم وقد فاض بقوّة المركز، ولّد من فائض الضعف تيارات وأحزاب وقوى تشتغل على الخروج من دائرة الاقوى لتقوى بنفسها.

هي مغامرة ترتكب مرتين، مرة مع فائض القوة، وثانية مع فائض االضعف.

الكثير من القراءات تنبئنا بأن أوروبا اليوم، ستنعطف باتجاه اليمين.. بخطاب خجول اليوم، وربما بالصوت العالي غدًا، ومع كل صوت تستعيد “الفاشية” حضورها.

لم يعد غريبًا، ولا بعيدًا أن نقرأ على جدران العواصم الاوربية اليوم، او غدًا شعارات من مثل:

ـ الله، الوطن، العائلة.

قدد يترافق هذا مع صور الدوتشي، وقد يحمل صورًا لـ “دوتشي” آخر لانعرف اسمه.

Exit mobile version