عودة سعد.. إكليل ورد على الضريح

مرصد مينا

“الحريرية” عبرت الطائفية السياسية المعمول بها في لبنان مرتين، مرة عبر المزاج السني العام الذي طالما انتمى إلى بيئة عربية واسعة فكان حاملاً للناصرية في فترة لبنانية ما، وبات حاملاً للمسألة الفلسطينية في زمن لاحق، ومع رفيق الحريري كان تيار المستقبل هو التيار اللبناني الجامع لكل الطوائف اللبنانية دون أي لمسة دينية، مذهبية، وإن حُسِب على “سنّة لبنان”، ومع مقتل الحريري اغتيالاً، استعادت الطوائف مواقعها لتغيب الوطنية اللبنانية ما جعل لبنان بلداً “تحت التقسيم”، وبتعبير آخر “في الطريق إلى التقسيم”، فكان غياب الحريري الأب يساوي غياب لبنان الموحّد، فيما حوصر سعد الحريري، مرة بالخصوم، وثانية بالحلفاء، فغدر به الحليف واستفرد به الخصوم، وما كان على الرجل سوى اختيار الانتحار السياسي ما بعد الحصار السياسي، وفي زمن سيكون لبنان هو الأحوج لا إلى سعد، بل إلى “الحريرية” التي عثرت على وارثها بشخص “سعد”، الشخصية الاعتدالية، الوسطية، وفي لحظة ما، “التسووية” في بلد هو الأحوج إلى التسويات، فبديل التسويات كان التطرف وهو تطرف تعهدّه حزب الله، واستثمرت فيه حركة أمل، أما سمير جعجع فاشتغل على التطرف الموازي، وفي تقاطع التطرفين الماروني من جهة مع الشيعي من جهة أخرى، ضاعت مدّخرات الناس، واستعصى التوافق على رئيس للجمهورية، وحلّ الفلتان الأمني محل النظام، واستشرس الجوع حتى طال “الجيش” وهو المؤسسة الوطنية، بل الوحيدة، الجامعة، في ظل تطييف ما تبقى من مؤسسات بدءاً من الفصل الدراسي وصولاً إلى شواطئ السابحين.

يعود سعد إلى بيروت اليوم، ومهمته فقط، وضع إكليل من الزهور على ضريح والده، مرفقاً بتلاوة الرحمة على رجل لم ترحمه بلاده، في وقت انتشل فيه البلاد من الخراب، وقد ورث ما انتجته الحرب الأهلية، لينتج من ميراث الحرب تعايشاً لبنانياً / لبنانياً كادت الحرب أن تخفيه، فاستعاده الرجل وبالنتيجة بـ :

ـ دمه.

رحل رفيق الحريري ومع رحيله تاه “سنّة” لبنان، فلا نجيب ميقاتي جامعاً سنيّاً، ولا فؤاد السنيورة يساوي ربطة عنقه، فيما الطرابلسي أشرف ريفي لا يساوي بوزنه وميراثه رشيد كرامي، أما من تبقّى فلن تعثر من بينهم على رياض الصلح، أما عن رفيق الحريري فلبنان وحده يعرف قيمة الرجل، وقيمته الجدّية يقرأها غيابه، وإذا كان ثمة من سيستعيدها، فإرث سعد ثقيل، غير أن ثقل الإرث، كان يمكن أن يُحمَل إذا ما عثر الرجل على احتضان عربي كما حال والده، ليستعيد بذلك قيمتين:

ـ الحضور السنّي الغائب تاركاً في غيابه سطوة لحزب الله.

واستعادة لبنان باستعادة لـ “عروبته”، متكئاً على ارث الحريري الأب.

سعد سيعود إلى بيروت مؤقتاً.

فقط ليضع إكليل ورد على ضريح والده الذي انتشل لبنان من الحطام.

Exit mobile version