عين روسيا على لبنان.. مجمل الحكاية تستلزم “شحطة قلم”

كلام المجالس في لبنان يقول بأن الروس سيفتحون البوابة اللبنانية، ومن وراء ظهور الأمريكان وربما من فوق أنوفهم.

هو اللعب في الوقت الضائع، غير أن الروس على مايظهر لم يعودوا الى سياسة تضييع الوقت أو تبديده، فالسفارة الروسية تشتغل دون كلل مع مختلف القوى اللبنانية، وهي القوى التي لم تجاهر حتى اللحظة بالعلاقة مع الروس.

السفارة الروسية اليوم، باتت تحصي الأنفاس في العاصمة اللبنانية، بدءًا من السياسة والعسكر، وصولاً لحاملي راية «المجتمع المدني» وارتباطاتها الخارجية، وسلوك المصارف وملفّات الفساد وعلاقات القوى بعضها مع بعض، وصولاً إلى تأثير الأحزاب والجمعيات في المناطق وقدرتها على التجييش، والتخريب، أو المساهمة في الاستقرار.

سيكون الطبل في لبنان، غير أن الحقيقة هي أن العرس في الشام، فما بعد 17 تشرين 2019 غير ما قبله حسب الرؤية الروسية، والروس حسب قراءتهم للمشهد ستكون الأيام اللاحقة يوميات مرحلة الفوضى اللبنانية،  وإذا ماحدثت الفوضى في لبنان، فرياحها ستصل سوريا، بما يحمل احتمالات  الاطاحة بكلّ الإنجاز العسكري والسياسي الذي حققه الروس على أرض الشام، كما ويعرقل عمليّة إعمار سوريا وكل المشاريع الحيوية الاقتصادية التي يعملون على بنائها على شاطئ المتوسط.

لم يعد الأمر طيّ الكتمان،  ففي وزارة الخارجية الروسية اليوم، كلامٌ واضحٌ وصريح عن نية موسكو الاستثمار الاقتصادي والسياسي في لبنان، بمعزلٍ عن موقف الأميركيين، وهو ما نقلته صحيفة الأخبار اللبنانية ومن بين ما أوردته من معلومات،  أن زوّار موسكو، من الرئيس سعد الحريري إلى رئيس التيار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل إلى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، سمعوا الموقف الواضح على لسان رئيس الدبلوماسية الروسية الوزير سيرغي لافروف. وما لا يقوله لافروف بالفم الملآن، تقوله لـ«الأخبار» مصادر روسية معنيّة بالملفّ اللبناني: «سنعمل في لبنان. سنحاول بالتفاهم مع الأميركيين، أو بالقضم، وإمّا بالمواجهة معهم. لأنه لا يمكن ترك لبنان للانحلال وتهديد كلّ المنطقة، ولبنان بوابة اقتصادية مهمّة وعنصر مهم جداً في الاستقرار وإعادة إعمار سوريا. روسيا ولبنان لديهما مصالح مشتركة، وعلينا أن نؤمّن مصالح دولتنا والدول والشعوب الصديقة، شاء الأميركيون أم أبوا”.

حسب الصحيفة اللبنانية، الوفود “سري مري” حسب التعبير اللبناني، ومن بينها وفد لممثلين عن شركة «Hydro engineering and construction »، هم المدير العام أندريا متسغر، مدير الاستثمارات الخارجيّة فلاديمير أوساتدشي، وخبير المرافئ قسطنطين سالومخين، وهي شركة مدعومة من الحكومة الروسية وتحظى بغطاء رسمي للعمل على الأراضي اللبنانية.

قبل شهرٍ ونصف شهر تقريباً، حضر الوفد ذاته في «دورية سبّاقة»، استهدفت لقاء غالبية القوى السياسية، وبقي معظم اللقاءات طيّ الكتمان. الزيارة هذه المرة تعدّ البداية الفعليّة لمسارٍ طويل مرهون بنيّة الجهات اللبنانية وقدرتها على تحقيق مصالح لبنان رغم الضغوط الأميركية، حيث شملت الزيارة لقاء وزيري الطاقة ريمون غجر والأشغال العامة والنقل ميشال نجّار، على أن تستمر زيارة الجزء التقني من الوفد حتى نهاية الأسبوع الجاري.

هي معلومات بالغة الخطورة تنقلها جريدة الأخبار، وحين تكون المساحة للرأي تقول الجريدة، أنه “حتى الآن، لا يمكن التفاؤل بوجود نيّة لبنانية رسمية جديّة للتعاون”. ثم تدعم رأيها بمعلومات من بينها أن الوفد عدّة أمور أمور، كلّها تعدّ حاجة ماسّة للبنان. فركّز على بناء مصفاة محليّة لتكرير النفط في الزهراني، وسلّم غجر نسخةً عن المخطط، مع تأكيد أن هذا المخطّط يصلح أيضاً لتوسيعه في جزءٍ آخر، ليشمل بناء مصفاة إقليمية في البداوي تضع لبنان على خارطة تكرير النفط وتأمين حاجة محليّة ودولية”.

واضح بأن الروس يركزون على مصفاة الزهراني بسبب الأزمة الراهنة التي يعانيها البلد، وهو الأمر الذي لمّح إليه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه قبل أيام، في إطار التعاون والتنسيق الحاصل بين حزب الله والجانب الروسي.

اللافت، أن أي مصفاة متطوّرة تحتاج إلى حوالى عام لكي يتمّ بناؤها، إلّا أن ضغوطاً واتصالات كثيرة مارسها أصدقاء لموسكو في بيروت، أدّت إلى تأكيد الجانب الروسي أنه يمكن بناء المصفاة بأسرع وقت ممكن، في مدّة تراوح بين ستة أشهر وتسعة أشهر، علماً بأن هذا الأمر يتطلّب جهداً مضاعفاً.

هذا عن المشروع الأول، أما المشروع الثاني الذي عرضه الوفد الروسي فهو يتضمّن إنشاء معملي كهرباء من أصل ثلاثة أقرّتها الحكومة اللبنانية، من دون أن يحسم الروس مكانها الجغرافي.

أما المشروع الثالث فيتضمن شقّين: الأول ترميم مرفأ بيروت وتوسيعه كمدخل نحو العمق السوري ومنه إلى باقي آسيا، والشقّ الثاني بتوسيع مرفأ طرابلس وتأهيله ليتلاءم مع موقع طرابلس كجزء من حركة إعادة إعمار سوريا بالتكامل مع ميناء طرطوس واللاذقية، وكذلك الاستعداد لبناء إهراءات إقليمية للحبوب في المرفأ تتناسب مع مشروع بإنشاء إهراءات مماثلة على الساحل السوري تستطيع خدمة الإقليم انطلاقاً من سواحل سوريا والشمال اللبناني. ولم يقرب الروس ملفّ إهراءات مرفأ بيروت، على اعتبار أن دولة الكويت تكفّلت ببنائها مجاناً.

الأبرز في كلّ هذه العروض، حسب “الأخبار” هو أن الجهات الروسية تفهم جيّداً الواقع المالي للدولة اللبنانية. وعلى ما تؤكّد مصادر الوفد أن “الجانب الروسي يقبل بالدخول في الاستثمارات على قاعدة (BOT)، بضمانة الدولة اللبنانية ودعم من مصرف روسي مكلّف من قبل الجهات الرسمية الروسية”.

والحال كذلك، ما الذي يبقى؟

يبقى الجانب اللبناني بمختلف قواه السياسيّة، ومن مؤشراته  غياب وزيرة الدفاع زينة عكر عن مؤتمر الأمن الدولي في موسكو الأسبوع الماضي، والذي ألقى فيه الرئيس فلاديمير بوتين خطاباً مفصليّاً في السياسة الدوليّة، على رغم دعوتها وتأكيدها المشاركة، في مقابل حضورها أمس في روما مؤتمر اجتماع «التحالف الدولي ضد داعش»، الذي اخترعه الأميركيون قبل سنوات لتغطية تدخّلهم العسكري في العراق وسوريا. يبقى أن قرار مصفاة الزهراني بيد رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، الذي يدرك الروس أنه يستطيع بشحطة قلم الموافقة عليه، لكنّه يقول إنه لا يريد تحمّل المسؤولية وحده عن قرار كهذا!

Exit mobile version